للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على شيء مما ذكرنا لم يضره الجهل مجاله شيئا، كما لو عرف بأنه من البشر، ولم يسمع بأنه كان من العرب أو العجم لم يضره ذلك شيئا، وكذلك لو لم يعلم أنه كان شاباً أو شيخاً أو مكياً أو عراقياً لم يضر ذلك إيمانه نبياً وحجته أنه أياً ما كان إنما يظن به، فقد يصلح لأن يكون رسولاً، فلم يوجه الجهل بالحق من ذلك إلى الجهل برسالته ونبوته وفارق ذلك أن تقول: آمنت بالله، ولا لتدري أجسم هو أو غير جسم؟ لأن الجسم لا يجوز أن يكون إلهاً، إذ الجسم هو المؤلف، والمؤلف يقتضي مؤلفاً، وما كان محلاً للأعراض قابلاً للأفعال لم يكن قديماً، ولم يجز أن يكون إلهاً، فلذلك لم يثبت الإيمان بالله مع الشك في أنه جسم أو غير جسم والله أعلم.

فصل

إن قال قائل: أتقولون أن آمن بالله وحده ثبت له أصل الإيمان، وإنما يحتاج إلى الإيمان برسوله لاستكمال الإيمان، واستيفاء شعبه!

قيل له: لا نقول ذلك، بل نقول: إن إيمانه بالله لا يعينه شيئاً ولا يثب له ديناً حتى يؤمن برسله. وحجة ذلك أن الله تعالى نص على أن التفريق بين الله ورسله كفر، لأنه قال: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسوله، ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا}. فأبان أن الفرق في الإيمان بين الله ورسله كفراً، والفرق بين رسله في الإيمان بهم كفر.

فأما إيجاب الكفر بالتوفيق بين رسل الله، فقد ذكرت وجهه، وأما التفريق بن الله ورسله، فإنما كان كفر بالله، لأن الله عز وجل إنما قرض على الناس يعبدونه بما شرع لهم في ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل، ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودة التي أمروا بالتزامها، فنزل ذلك منهم منزلة جحد الصانع، وجحد الصانع، كقولنا فيه من ترك التزام الطاعة، فكان ذلك كفر.

فإن قيل: فقد قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا بالله}. فأثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>