الإيمان لهم أولا ثم أمرهم بالإيمان بالرسل، فصح أن اسم الإيمان بالإطلاق واجب ولمن آمن بالله وحده.
قي: لو دلت هذه الآية على أن اسم الإيمان يجب من غير وجود الإيمان بالرسل لدل على أنه يجب من غير وجود الإيمان بالله تعالى، لأنه كما أمر الذين آمنوا أن يؤمنوا يرسل الله، أمرهم أولا أن يؤمنوا بالله فقال:{يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}. أي أجمعوا إلى الإيمان برسوله، فإن الإيمان به غير متقبل منكم إلا أن تضمنوا إليه الإيمان برسوله.
وقد بين ذلك بما أتبعه هذه الآية من قوله:{إن الذين يكفرون بالله ورسوله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسوله، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا}. فإن في ذلك بيانا أن الفرق بين الله ورسله في الإيمان كفر، وفي ذلك وجود أن يكون معنى الآية ما ذكرنا وبالله التوفيق.
فصل
فإن سأل سائل: عمن آمن بالله ولم يؤمن برسله أن يكون إيمانه بالله إيماناً ناقصاً يتوقف على ما يصله به من الإيمان برسله، أو يكون فاسداً غير صحيح، فإذا أراد الإيمان بالرسل احتاج إلى أن يستأنف الإيمان بالله!
قيل له: أن الإعتراف بالله تعالى بعض الإيمان به، لأن الإيمان به هو التصديق به والتزام عبودته وطاعته، فإذا صدق بالله ولم يلزم طاعته وعبودته كان آتياً بعض الإيمان به فيوقف ذلك على ما يأتي به من البعض للآخر كما أن النصراني إذا لم يكن كفره إلا جحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا آمن به تم وإيمانه ولم يحتج إلى استئناف الإيمان بالله وبأنبيائه وعيسى.
فلذلك من آمن بالله ولم يؤمن برسله فإنه إذا آمن بالرسل بعد، تم إيمانه بالله ولم يحتج إلى الإستئناف، علة هذا أنه ليس للإيمان وقت محصور تتعلق صحته، لكن الأوقات كلها وقت الإيمان، فهي على سعتها بمنزله أضيق وقت منها.