ثم إذا خولناه نعمة منا قال: إنما أوتيته على علم بل هي فتنة، أي ابتلاء ومحنة ليظهر إخلاصه ومعرفته إن كان من المخلصين العارفين، وجهله وغباؤه إن كان من الأغنياء الجاهلين. فيصف النعمة إلى الله عز وجل ويقوم بشكرها إن كان من الأولين، وينسبها إلى قوله ويغفل عن شكرها إن كان من الآخرين، فيستحق في كل حالته خيراً يجب عمله إلا أن يمكن بالعفو عنه إذا شاء والله أعلم.
وقال عز وجل في آية أخرى:{أولم تعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}. فاستجهل عزيزي سعة الرزق وضيقه يكونان إلا من قبل الله تعالى، واستنكر الذهاب عن معرفة ذلك، لأنه لا سبب يقدر العبد أن يصل إلى المال من حصته وقد لا يصل، وذلك أنه يشهد أن الموجب للغناء والوجد ليثس ما يخلف من الأسباب، وإنما هو مما لا تخلف من إرادة الله تعالى، فإنه إن يرد الغناء لأحد يفتقر، ولا الفقر لأحد فيستغني، فمن كان به للإيمان من الإذعان للحق إذا ظهر له، فهذا له أنه كافيه، وبأن يقوله عز وجل:{إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}. إن الإعتراف بما ذكرت الانقياد له من الإيمان والله أعلم.
وقال عز وجل في آية أخرى:{أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}. فتداخل وعز بتعريفهم نفسه وأنه خالقهم ومنشئهم، لأن لا يرى أحد منهم أنه إذا أصاب أهله فولدت منه كان هو السبب بنفسه لوجود ذلك الولد، فأنه إذا رجع عقله، علم أنه لا يقدر على إغلاق ما به برحم أهله إن لم يعلق، وإن علق فلا قدرة له على تعليقه من حال إلى حال، ولا الزيادة في أجزائه ولا تركيب الولد منه، وتصويره.
وإذا نظر في أنه ليس كل من يواقع أهله يولد له، ولا كل ما يعلق ينمو، ولا كل ما ينمو يسلم، علم أن إحالته كون الولد على السبب المخلف باطل، فإنه لا وجه إلا إحالته على إرادة الباري جل ثناؤه وصيغته ورزقه وبالله التوفيق.
ثم قال عز وجل:{أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون، لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهونه} فأبان لهم أن ما يحرثونه فليس يثمر غرضهم فيه بنفس