والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}.
وأما المعارضة بالابتداء فقربته من هذه الحجة، وهو قوله عز وجل:{قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} وإنما فرق بين الاحتجاجين أن أحدهما ما يبدأ خلق الذين وعدهم أن يعيدهم كما بدأهم، والآخر يخلق الأجسام التي هي أعظم وأكبر من الناس، وكل واحد منهما لا يلزم لمنكري البعث أشد اللزوم. أما أحدهما فلان الإنسان أحد الحيوانات الأرضية، فينبغي أن يكون خلق الأرض نفسها بما يحيط بها من السموات أكبر من خلق الإنسان مبتدأ ومعاداً. فإذا كان الله قد خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقها، فأولى أن يقدر على خلق الإنسان مبتدأ أو معاداً.
وأما الآخر فلان الإعادة ليس منها ما في الابتداء فإذا جاز أن يخلق آدم من حمأ مسنون، ثم جعله صلصالاً كالفخار، ثم نفخ فيه الروح فجعله لحماً ودماً وعظاماً وعروقاً وأعصاباً، فلم يجوز أن يجعل الأموات منه ومن ولده تراباً ثم يخلقهم منه مرة أخرى بشراً كما خلق آدم أولا.
وهاتان الحجتان على من اعترف الباري جل جلاله وابتدائه الخلق، وأما من بلغت به الزناخة أن يجحد الباري جل جلاله فإنما تكلم في إثباته أولا، ولا يقدم على ذلك مالا يطلق النظر قديمه عليه والله أعلم.
فإن قال قائل: أليس الخزاف قد يعمل الجرة أو الكوز، فإذا انكسر الإناء لم يقدر على إعادته.
فيقال له: إن إعادة الخزف تراباً لدنا كما كان قبل، لا يمكن للخزاف أن يعمل منه ثانياً مثل ما كان عمله أولا! ألا ترى أن الإناء المفروغ من صنعته لو انكسر من قبل أن يصير فخاراً لأمكنه إصلاحه وإعادته، ولكن تكسره بعدما صار فخاراً لا يعيده تراباً لدنا كما كان.
والإنسان إذا رسم عاد تراباً كالتراب الذي خلق أول إنسان منه، فلما كانت القدرة قد أتت على الخلق الأول فلذلك يأبى على الخلق الثاني، ألا ترى أن أواني الحديد والرصاص