والنحاس إذا انكسرت أو دخلت النار فأذيبت حتى عادت تبرا كما كانت أولا، لا تمكن الصانع الذي صنع منها تلك الأواني أولا يصنعها منها ثانياً، فلذلك الباري جل جلاله لما خلق آدم من تراب ثم جعله تراباً يقدر أن يخلقه منه مرة أخرى وبالله التوفيق.
وأيضا فإن الخزاف لا يتهيأ له تغيير الطبائع التي طبعها الله تبارك وتعالى والله جل ثناؤه لم يطبع الماء على أن يؤلف بين خزفين كما طبعه على أن يؤلف بين آخر التراب، فإنما يمتنع على الخزاف إعادة ما ينكسر عليه بتعجيز الله جل ثناؤه لم يمتنع عليه شيء ولا يعجزه فالابتداء والإعادة في قدرته سواء وبالله التوفيق.
ومن ذكر أمر الخزاف مبتدأ للاحتجاج به لا معارضاً، قيل له سواء ما ذكرت. أليس الخزف لولا صدع الخزاف على أن يلام بما هو من حبسه حتى يعود كما كان، ولو اتخذ آنية صغيره لم يقدر أن ينمها ويكبرها على الأيام ويحدث كل يوم منها زيادة يسيرة ولا يختص بها مكان معلوم، ولكنها تسبغ في جملتها ولو مرتين يظن آنية، أو أظهرها فذهبت الأضراس لم يكنه أن يعيدها، والله يبري الشحاح والجروح، ويجبر العظام المنكسرة، ويكبر الصغير وينميه على ما وصفته، ويعيد الأسنان بعد سقوطها، فلا ينكر أن يعيد الأموات بعد بلو أو رموا أحياء. وإن كان الخزاف لا يمكنه أن يعيد الخزف المنكسر كما كان.
وأما الاحتجاج بما يشاهده من إحياء الله تعالى الأموات، فإنه وقع تبليه أشياء: أحدهما بالأرض تكون حبة تنبت وتمر وتموت، فتصير إلى أن تنبت وتبقى خاشعة هامدة. فأما حياتها فإنها تكون عند سخونة الهواء الذي جاورتها وإسخانه إياها، وانسياق الماء إليها وترطيبه لها. وأما موتها فإنما يكون عند اسخان الشمس إياها من غير ما تصل إليها، لأنها تصير عند ذلك كالفخار، وعند برودة الهواء المجاور إياها وتبريده لها، وصل الماء إليها أم لم يصل.
وهذه أحوال تتعاقبل على الأرضين كل سنة، فإنها تنبت وقتاً ثم تصير إلى أن لا تنبت وقتا، فإذا انبتت كانت حية تهتز، وإذا لم تنبت كانت ميتة هامدة، والله عز وجل هو