للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاعل للأمرين، والمصرف لها على الحاليين، فإذا قدر على ذلك لم يعجز أن يميت الإنسان أو يسلبه معاني الحياة ثم يعيدها إليه ويجعله كما كان وبالله التوفيق.

فإن قيل: ليس فيما أن الأرض لا تنبت في الشتاء ما يوجب لها حكم الموت ولا اسمه، فإن الشجر لا ينبت الأوراق ولا يخرج الثمار في الشتاء ولا يوجب ذلك لها حكم الموت ولا اسمه.

فالجواب: أن هذا السؤال ليس يطعن فيما قلنا بالحقيقة، وإنما هو معارضة لأن الشجر إذا لم يورق ولا يثمر في الشتاء فإن الأرض ميتة لا تنبت، وورق الشجر وثمره غير خارجين من أن يكون انباتهما مضافاً إلى الأرض، فإذا ماتت الأرض فلا انبات منها لا لنفس الشجر ولا لورقها لا لثمرها، فلم يجز أن يستبدل بعدم الأوراق والإثمار من الشجر على انها ميتة، لأن الشجر ليس بأصل في نفسه وإنما هو مستعد من غيره، فإذا انقطع المدد عنه لم يكن له ورق ولا ثمر، ولا صح الاستدلال بذلك وبغيره من وجود الاثبات على أن الأرض تموت في الشتاء إذا كانت لا تهتز لما يساق إليه، ولا شمس تنبسط عليه، ولا يكون منها اثبات كما لا يهتز الميت بسبب من الأسباب ولا تأتي منه الأفعال التي كانت تأتي في حال الحياة وبالله التوفيق.

فإن قيل: لو كانت الأرض ميتة لم تبق الأشجار الراسخة فيها حية ولماتت ثمرتها.

فالجواب: أن الأرض تموت كما قال الله عز وجل، ولكن الشجر الراسخ لا يموت بموتها. لأه قد استمد منها حسناتها تتباقى به إلى أن يحيي الله تعالى الأرض، بذلك أجرى الله تعالى العادة ولو توهمنا الموت مستمراً بالأرض لم نتوهم الأشجار الثابتة فيها حياة.

ألا ترى أن الشجر الرطب إن أقلع في الربيع فقد يتباقى أياماً كثيرة إلى أن يغرس ثانية، ولم استمر به القلع ولم يغرس، يتوهم مع ذلك حبة فكذلك يبقى بعد موت الأرض، وهي انقضاء الشتاء إذا كانت قد استمدت قبل ذلك من الأرض والماء ما يكفيها، ولو استمر الموت بالأرض لم تبق، كما استمر بها القلع لم تبق.

فإن قيل: قد استمدت من الأرض قبل موتها ما يحتاج إليه، فلم لا يورق ويثمر.

قيل: إن الاستمداد في المستقبل ينقطع ولا يتسع ذلك الموجود لها، ولزوائد تحدث فيها. وقد يمكن أن يسبق من هذا الموضع فرق بين الشجر والأرض جواباً عما عورضنا به

<<  <  ج: ص:  >  >>