وإن كنا مستغنين عنه، وذلك بأن نقول: إن حياة الشجر بالماء في طراوته ورطوبته بما تيسر به بعروقه من الماء سوى ما يجري به الماء من أجزاء الأرض وتيسره لذلك. فإن انقطع في الشتاء فإن ما اشتد به من قبل لا يزايله، ولكن يبقى منه فيه ما تدوم عضاضته طراوته فيه، وإن لم يبلغ حداً يكون من ورق أو ثمر، فلذلك لم يجز أن يوصف بالموت.
وأما حياة الأرض فإنما تكون بتعديل الهواء الحار ليردها، وتعديل الماء الذي هو رطب لنبتتها حتى يتسع عند اعتدالها لها الانبات. ومعلوم أن الشتاء إذا جاءت فإن هذا التعديل كما ينقطع منه شيء، وكذلك لا يكون الانبات فاستحقت لذلك الوصف بالموت والله أعلم.
والثاني من الثلاثة الأشياء التي ذكرناها أن الله تعالى احتج على عباده قوله عز وجل {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم}. يعني نطفاً في الاصلاب والأرحام فجعلكم منها بشراً تنتشرون. وقال:{ألم نخلقكم من ماء مهين، فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم، فقدرنا فنعم القادرون}.
فأعلمهم أنه إذا أخرج النطفة من صلب الأب صارت ميتة، ثم أنه عز وجل يجعلها حية فيخلق من خلق منها، ويركب الحياة فيه، فهذا حيات ميت في المشاهدة، فمن يقدر على هذا لا يعجز عن أن يميت هذا الخلق ثم يعيده حيا، وبسط هذا المعنى جل ثناؤه في آية أخرى فقال:{ألم يك نطفة من مني يمنى، ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى}، وهذا أبلغ ما يكون على الاحتجاج في هذا الموضع وبالله التوفيق.
والثالث قوله عز وجل:{إن الله فالق الحب والنوى، يخرج الحي من الميت}. وذلك أن الحب إذا جف ويبس بعد انتهاء تمامه ووقوع الناس من ازدياده.
وكذلك النوى إذا تناها عظمه وجف ويبس كانا مسببين ثم أنها إذا أوعا الأرض الحبة فلقهما الله تعالى وأخرج منما ما يشاهد من النخيل والزرع حبا ينشأ ويثمر إلى أن