والكفارات أيضاً روداع بما فيها من نقصان المال وإجهاد النفس، وليس منها جزاء الانتقام.
ألا ترى أن الحدود كلها تسقط بالتوبة لوقوع الاستغناء بارتداع من كان عليه الحد عن ردعه، والقتل أيضا بعد وجوه يزول عن الكافر بإسلامه، يعلم أنه المردع في المستقبل عن الإضرار، فلما ارتدع سقط، ولو كان عرض الانتقام منه لكفره، لما نفعه الإسلام بعد ما حق القتل عليه. وأما كل جرم ذهب ما المجرم لأهله، ولا يخلو ذهاب ماله من أن يكون ردعا له عن الأضرار، ولغيره عن مثل فعله.
ألا ترى أنه لو كان مات قبل أن يذهب ماله لما ذهب له لجرمه. وأيضا فإن ماله إذا ذهب لم يهمله الله تعالى ولم يجعله من نظره لأنه يجب على المسلمين أن لا يضيعوه ولا يغفلوا عنه فيموت جوعا أو عريا في شدة حرا وبردا، ولكنهم يكفونه ويموتونه فيصير كالمتروك بعض ماله عليه، وهو ما لا بد منه، وفي هذا ما يبين أن الغرض إنما كان التقويم لا الانتقام والله أعلم.
وأما ما في باب الإحسان من قوله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام:{وآتيناه أجره في الدنيا وأنه في الآخرة لمن الصالحين}. فإنما هو إشارة للبشرى والترغيب، لأن الله عز وجل لما ركب فيه العقل الذي يتوصل به إلى معرفته ليستدل به معرفته وحده. فلما أراد عدوه ألقاه في النار توكل على الله، وآثر ما لديه فلم يرجع عن دينه، ولما اضطره إلى الجلاء عن وطنه هاجر وقطع الأقربين في ذاته وابتلاه الله في ابنه، بأن أمره بذبحه، فأسلم وصبر فعصمه الله تعالى من النار، وأورثه الأرض المقدسة وكثر ماله وأنمى ولده، وجعل فيهم النبوة والملك، وأزال عنه الأمر بذبح الولد، وفاده عظيم، وجمع عليه الاسم فلا يكذبه أحد منهم بل يؤمنون به ويطيعون، وكل ذلك ترغيب له ما دام حيا في الدوام على الطاعة، وترغيب لمن يتبع غيره في إيثار طاعة الله تعالى والصبر على ما يلقاه فيها من أذى يؤذيه وجفاء من يجفوه، فهذا أجره الذي أتاه الله في الدنيا وهو أجر الترغيب والبشرى فيما هو قادم عليه في الدار الآخرة، فهذا وكل نعمة أنعمها الله تعالى على أحد من مال أو غيره فسبيله ما ذكرت.
ألا ترى أنه لا يخول فيما أنعم الله عليه من فرائض تلزمه، فلو كانت غرضا لسعيه وعمله