الذي قدمه، لكان من حقه أن يكون محلي وإياه يعمل به، وفيه ما يريد، ولما لم يكن كذلك، بل كانت لله عليه مطالبات، علم أنها ليست غرضا لما قدم من بر وطاعة، وإنما هي من جهة ماله فيها من الرفق ترغيب وتحريض على الثبات والدوام، ومن غيرها إنعام مبتدأ سبيله أن يشكر الله تعالى ويؤدي حقوقه منه، وما كان هكذا لم يستحق أن يكون جزءا بالإطلاق، وبالله التوفيق.
ونقول من غير هذا الوجه أن قتل الكافر ليس يجوز أن يكون جزاء الكفر لأن القتل يجب بكفر ساعة كما يجب بكفر مائة سنة جزاء له، لأن عظم ما في القتل موت القتيل، ثم الألم الذي يصل إليه قبل خروج الروح.
ومعلوم أن الموت لا بد منه، فإنه مدرك كل واحد، فلم يجز أن يقال: أن الموت جزاء له ولا حد سواه، فلم يبق إلا الألم، وذلك المقدار من الألم مما لا يشكل على ذي عقل أنه لا يوازي كفر مائة سنة، فبطل بهذا أن يكون القتل جزاء لكفر الكافر.
وكذلك الزاني لو زني ثلاثين سنة، فبطل بهذا أن يكون القتل وإفساد حرم الناس وهتك أستارهم وتلويث أنساب أولادهم. والشارب لو شرب سبعين سنة وهو لا يحتقر أراد الإمام حده، لم يزده على أربعين جلدة.
والسارق لو سرق من إلف مسلم أموالا عظيمة وهو لا يقدر عليه أو لا يعلم به من خبأ واعترف، فإنه لا يزاد على أ، تقطع يمينه لهم جميعا. ومعلوم أن ما ينال كل واحد من هذين لا يوازي عظيم جرمه، ولكنه وغيره ما تقدم ذكره يصلح لوقوع الزجر والردع به. فعلمنا أنه لذلك لا للانتقام والله أعلم.
وكذلك له الذين تعود الحلف بالله تعالى باطلا، فهو يقدم كل وقت عليها، وجرى على ذلك سنين، فأذهب الله تعالى ماله وألقى بمؤونته على غيره، فليس يجوز أن يكون تعويضه للحاجة إلى غير مواز بالجزاء به على الله تعالى، والحلف باسمه على مالا حقيقة له فعلمنا أ، ذلك ردع وترهيب وليس بانتقام، وبالله التوفيق.
وعلى هذا، فإن من أتاه الله تعالى بعد مقامات كانت له في طاعة نبوة أو ملكا عظيما أو جاها عريقا، وأدام له الصحة والسلامة، فليس يليق بشيء من هذا أن يكون غرضا، وإن كان إحسانا وبرا لأن الذي كان من العبد عبادات أخلصها الله تعالى.