وسأل سائل عن كافر قطعت يده في حال كفره ثم أسلم، ومات مسلما برا تقيا ويصار إلى دار الجزاء، فإن قلتم تبعث يده، فإنما هو جزء من بدنه الذي كفر به، فكيف يكون موضعها دار الثوب؟
وإن قلتم يبعث بلا يد، فقد أجزتم أن يبعث بعضه ولا يبعث بعضه. وسأل عن مسلم قطعت يده: لم ارتد ومات على ذلك، أيبعث بيده أو بلا يد؟ فإن قلتم يبعث بيده، فكيف تلج النار يد لم يذنب بها صاحبها؟ وإن قلتم: بلا يد، فقد أجزتم أن لا يبعث بعضه.
فالجواب: أن كل واحد منهما يبعث تام النمو، كامل البدن. وأما الذي مات مسلما وقد كانت يده قطعت في حال كفره، فإن إسلامه أحبط كفره عن جميع بدنه، فالتحق بذلك أن تورد يده مورد سائر أعضائه، ولا ينظر إلى اتصال اليد به، وانفصالها عنه، لأن اليد تابعة للبدن لا حكم لها على الانفراد في طاعة ولا معصية.
وأيضا فإن واحدا من الإسلام أو الكفر لا يقع باليد، ويقع بالقلب واللسان كانت يدا أو لم تكن، فإن جاز أن تدخل الجنة يد كانت، إلا أن الإسلام لم يقع بها، وإن وقع بغيرها جاز أن تدخلا يد لم تكن عند الكفر أصلا أو وقع الكفر بغيرها والله أعلم.
وأيضا فإن اليد المقطوعة من جملة البدن الذي كان حيا في هذه الدار، فلا يخلو من أن تعود الحياة إليها في الآخرة، ومعلوم أن حياتها في هذه الدار كانت لحياة الجملة، تدل ذلك على أنها في الآخرة تكون حية بحياة الجملة، لأن الله عز وجل قال:"كما بدأكم تعودون" ثم يكون فرح الإسلام بردها إليه من جملة ثوابه، وردها أيضا إلى الكافر مما يتغلظ به عذابه، لأن ألم ما يمس اليد من النار زيادة ألم يصيبه، وقد جاء في الحديث:"إن ضرس الكافر في النار مثل أحد" فهذا دون ذلك وأقرب منه وبالله التوفيق.