للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وسأل سائل عن قوله عز وجل: {وإذا الوحوش حشرت} وعما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الحماء تفيض من القرناء"، وقال: قد جعل الله بهيمة الأنعام وكثيرا من الوحوش طعمة للناس، أفرأيتم ما أكل من لحومها أيعاد إليها يوم القيامة للحشر أو لا يعاد؟

فإن أعيدت فما حال الأبدان التي أعيدت تلك اللحوم، انقرض منها غيرها أولا، فإن عوضت، فكيف يجوز أن تصل لذة الثواب وألم العقاب إلى غير ما اكتسبت الطاعة والمعصية من البدن، وإن لم يعرض أوجب ذلك أن يكون ابن خمس سنين إذا اغتذى اللحوم حق كبر وصار ابن خمسين سنة، فيرع منه تلك اللحم كلها، وردت إلى مواضعها أن تصير كابن خمسين سنة، ولذلك تدخل الجنة أو النار!

فإن قلتم: لا تعاد إلى الحيوانات لحومها التي أكلتها النار، فكيف تحشر ولا لحم لها ولا دم ولا نفس ولا مخ، وإنما تكون لها الحياة دون هذه الأشياء.

فالجواب:- وبالله التوفيق: أنه إذا كان لها هناك تعويض فتتعوض الحيوانات من لحومها ولحوما غيرها، أشبه بأن ترد لحوما إليها، ويعوض الناس منها غيرها، لأن ما نما من أبدان الناس بتلك اللحوم، فقد صار من جملة أبدان مكلفة أحسنت وأساءت، فصارت بذلك مستحقة للثواب والعقاب، فلا ينزع عنها، وتعاد إلى البهائم فيكون بدن الإنسان قد قلب بهميه، وعوض منه عوضا لاحظ له في طاعته ولا معصيته، فيخرج من ذلك من أن يجزى بخير أو بشر مع ما في ذلك من مخ المنجس في دار الجزاء، وإنما المسخ من سخط الله وعقوبته وخزيه، فكيف يجوز أن تكون عاقبة الذي آمن وعمل صالحا إذا ورد يوم القيامة أن يمسخ؟

وأما البهائم فقد قيل: إنها تحشر لتعوض ما خلص إليها من ألم الذبح ومهانة السلخ والتمزيق والأكل عرضا، ولا تحشر لمحاسبة ولا لجنة أو نار، فلاحظ لها في الحسنات والسيئات. وإذا كان حشرها للتعويض، فهي إذا عوضت إتمام أبدانها وتصحيح أجسادها،

<<  <  ج: ص:  >  >>