وإن أصابت القاضي حسنة ويحلف عنه ما أوعده به، فقالوا: هذا لحسن خلقه، أو لأجل جاره الصالح، أو استعطاف من الله تعالى إياه واستتابه، ومثل هذا سائر موجود في العامة.
فإنهم إذا رأوا رجلا صالحا عندهم قد وسع الله عليه الرزق وأصلح حاله، قالوا: هذا من بركة الصلاح والخير، وإن رأوا خيرا مثله عليه سيء الحال، قالوا: ألا ترون أن الله تعالى تحميه الدنيا لموته في الآخرة ما هو أسنا وأفضل، ونسوا ما قالوه في غيره، وإذا رأوا رجلا كافي المعاصي والمفاسد ضعيف الحال شديد الفقر والحاجة، قالوا: هذا من شؤوم المعصية، وإن رأوا آخر مثله موسعا عليه قالوا: إن الله تعالى أتاه الدنيا ليجد منه الآخرة، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقي الكافر منها شربة، ونسوا ما قالوا في غيره.
فعلى هذا كان أمر الأوليين، ثم أن الآخرين يذهبوا لوجه لآخر أبعد من أن يقع في حلف يحتاجون إلى أن يطلبوا له علة، أو يذكروا له عذرة، وما حالوا على مواعيد أحله ذكروا أنها تكون بعد الموت وإلى مدة لا يعلم انقضاؤها إلا الله تعالى، وعلموا أنه لا شيء أحب إلى الناس من الحياة، واتظهروا عليهم بحرصهم عليها، وأخبروهم أنهم في الدار التي ينتقلون إليها يحيون حياة شر مدتها لا انقضاء لها ليكون ذلك مأتما لهم على أتباعهم والقبول منهم حرصا على أن يحيوا أبدا في النعيم الذي بشروهم به، قال: فهذا سبب وقوع خبر البعث بعد الموت فيما بين الناس.
فالجواب:- وبالله التوفيق- إن الله جل ثناؤه لم يحل أحدا من رسله من إنذار قومه على لسانه بالبعث بعد الموت والمحاسبة والجزاء بالجنة والنار، ونحن قد علمنا ذلك قبل أن يدعيه ولا يتوقف فيه، وهذا المعترض لا علم له بما قال، ولا يرجع فيه إلا إلى ظن مجرد، والظن لا يعني من الحق شيئا.
وإنما قلنا هذا لأن نبينا صلوات الله عليه النائب إلى بالإعلام الكثيرة الباهرة صدقة كما أخبرنا بالبعث بعد الموت.
فلذلك قد أخبرنا عن الله تعالى ما أرجاه من ذلك إلى أنبياء آدم صلوات الله عليه، وعن النبيين قبله صلوات الله عليهم، قبل موسى عليه السلام من الكتب قليلا ولا كثيرا، ولا شاهدا عن الذين كانوا يدينون بالدين، ورجوا عليه أحدا أو أكثر مما يفزع إليه في