لأمهاتهم المعاد ولا أن يدعي على الأنبياء قبل عيسى عليه السلام، أنهم لم يذكروا لأمهم المعاد، ولا أن يقطع بنفي ذلك اعتمادا على أنه لم يجد في التوراة له ذكرا.
فإنه لو ثبت أن التوراة المنزلة كانت خالية من ذكر المعاد، لكان وجه ذلك أن الله عز وجل اخبر موسى بالمعاد بوحي، أو جاءه خارجا عن التوراة. فكيف وغير ذلك ثابت، وليس شيء مما علومه عنه ثقة، ألا ما ثبت بغير خبرهم أنه فيما أنزله الله تعالى، وبالله التوفيق.
وأيضا فإن بعض نسخ الكتاب الذي يدعون أنه التوراة هو الخالي من ذكر البعث بعد الموت، فأما الذي ترجمه أحمد بن عبد الله للإنجيل وفيه شيء كثير، ذكر أنه مما أنزل الله على موسى من صحف إبراهيم صلوات اله عليهما، فما أكثر ما فيه من ذكر القيامة، وقد قرأته مرات وعلقت كثيرا منه، ولو لم يكن من هذا شيء ليس من المجتمع عليه أن نبينا صلوات الله عليه كان من أولي الألباب ومشهورا بالحكمة، فغن كان الخاسرون لا يشهدون له بالنبوة، ومعلوم أن القاتل المكلف بأمر من الأمور، الحريص على جمع الناس على الاعتراف لديه، لا يأتي بما ينفرهم عن تصديقه، ويضطرهم إلى تكذيبه، وإنما يجتهد في تقريب قراه عليهم، وأشرابه قلوبهم. فإذا كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون محمد نبينا صلوات الله عليه، أخبر بني إسرائيل بأن نبيهم ومن تقدمه أخبروهم بمعاد فيه الجنة والنار، من غير أن يعلم أن ذلك كان منهم، أو مع علمه بأنه لم يكن، وإنما كانت مواعيدهم كلها عاجلة لا آجلة، ولم يكن يخفى عليه وهو عاقل مميز أنه إذا أخبره عن أنبيائهم وكتبهم خلاف ما يعرفون، كان ذلك مدعاة لهم على تكذيبه وجحد نوبته، وتنفيرا لهم عن الدخول في دينه.
فثبت أنه إنما أخبرهم بذلك بأن الله عز وجل قد أنزل ذكره وصفته في كتبهم على أنبيائهم لاستبانة أن ذلك حق، ولم يكن هذا اليقين يقع له إلا أن يكون صادقا في أن الله تعالى يرسل إليه الملك بما يشاء من أمره، ويطلعه على الغيب الذي يريد اطلاعه فصح ووضح أنه كان رسول الله حقا فوجب تصديقه عن مخبراته والبعث بعد الموت وأن الرسل المتقدمين أخبروا قومهم به جملتها، فلزم تصديقه وبالله التوفيق.
وأيضا فإن خبر المعاد لم يزل فاشيا في الملتين وغيرهم من الأوائل المتقدمين، وقد ذكر