يكون زوروه أو افتعلوه، ليكذبوا به العامة ويقودهم إلى طاعتهم واتباعهم، فإن مثل هذه التهمة إنما تليق بمن قال قولا لا يجد له في المعقول أصلا، فإذا ذلت عليه العقول، وشهدت بصحته الأصول، فإن القبول إله منه يلزم، وإن لم يكن نبيا.
فكيف يجوز أن يتهم فيه بالتزوير إذا كان نبيا، أتى بالمعجزات، وأتت نبوته بالدلائل والبينات، فإن كان سقراط لم يقل ما حكيناه عنه من قبل المعقول، وإنما قاله سماعا من الدعاة إلى الله، كانوا في ذلك أو قبله، فقد بطل قول المعترض: أن أول من جاء بهذا الوعد محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الذين تقدموا فإنما كانوا يعترضون على المواعيد العاجلة، وقال سقراط عند موته إلى الله الابتهال في أن يكون نقلي من هذه الدار إلى الدار الآخرة نقلة سعادة.
وقال تاليس المليسي، أحد السبعة الذين كانوا يدعون أساطين الحكمة: أن فوق السماء عالم مبدعة، لا بقدر المنطق على أن يصف تلك الأنوار، وذلك الحسن والبهاء، وهي مبدعة من غير لا يرك العقل غوره، وهو الدهر المحض من نحو آخره لا من نحو بدئه وإليه تشتاق العقول والأنفس أشد الشوق، وهذا الذي سميناه الديمومة والبقاء في حد النشأة الثانية. فقد أثبت هذا الرجل أيضا النشأة الثانية، وقوله في السماء عوالم لا يقدر على أن يوصف حسنها يوافق ما جاء من ذكر العرش، وإن جنة عدن في ظلاله وبقربه، وما جاء من قول الله جل ثناؤه:{أعددت لعبادي الصالحين. ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر}.
فكيف يجوز المعترض أن يقول: أن فكر المعاد أبدعه محمد؟ وإن هذا القول مستعان على أسرائه قلوب العامة مما يعلم منهم من الحرص على الحياة، وقد سبق محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذا من ذكرناه ممكن لا يعد في أصحاب الشرائع وليس عند المعترض بموضع تهمة.
وقال هرقل العظيم من أهل افيسيوس: إن السماء في النشأة الثانية تصير بلا كواكب لأن الكواكب فيها ذكر، تهبط سفلا حتى تحيط بالأرض، وتلتهب فيصير بعضها متصلا ببعض حتى تكون كالدائرة حول الأرض، فكل نفس شريرة تبقى محيطة بها تلك النار