وتصير الأنفس الزكية المطهرة إلى السماء وتكون سماؤهم سماء نورية أشرف من هذه، فيها آثار الباري عز وجل بلا متوسطات وهناك الصور والحسن المحض والقوة.
فقد أثبت هذا أيضا النشأة الأخرى، وقد سمى الله عز وجل الحياة الآخرة بهذا الاسم في القرآن فقال:{وأن عليه النشأة الأخرى} وقوله: إن الكواكب تهبط سفلا، وهو عين ما ورد به القرآن من قوله عز وجل {وإذا الكواكب انتثرت}.
وقوله في النار التي تحيط بالأرض، قول الله عز وجل:{نار أحاط بهم سرادقها}
وقوله في الأنفس الزكية أناه تصعد إلى السماء وسماؤهم أنور وأشرق من هذه، يدل على أن التي أشرق كواكبها تزول عنده فيضاهي ذلك ما في القرآن من قوله:{والسموات مطويات بيمينه}.
وقال سقراط: فغن الذين مروا من قديم الدهر، إن الذي يصير إلى الآخرة من البقاء والاستبصار، فإنه ساكن الملائكة وعلى زرابيته الأكاليل، وإن الذين يمضون إلى الآخرة وليس عندهم نقاء فإنهم يكونون في الحمأة والبلاء، لم يكوناو اخساء ولا اراذل ولا جهال ولكن أهل فهم وعقل وفضل وجلاله، وأنا قد اجتهدت عند هذا كله في طلب الصواب وتيقنت تيقنا لا يتقدمه شيء أن مصيري إذا أخرجت من هذه الدنيا إنما هو مؤول في غابة الجود والخير، ورؤية أقوام خيار، فلم أعسر على مختلف من أخلقه من إخواني وساداتي لما أرجو أني ألقى هناك إخوانا وسادات خيارا ليسوا بديلا من هؤلاء.
فقد أثبت سقراط أن ذكر الآخرة موجود سائر في الناس عند قديم الدهر، وأن الذين أخبروا بذلك كانوا أهل جلال وفضل وفهم، وذلك تكيفت للمعترض في دعواه، أن أول من جاء بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ها هنا ومما كتبناه من كلامه قبل هذا: إن أهل البقاء يصيرون إلى فوق وخلافهم يكونون في الحمأة والبلاء، موافق لما في القرآن من قول الله عز وجل:{كلا إن كتاب الفجار لفي سجين}، وقوله:{كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين}.