وقول سقراط: إن الحياة تذهب بهم إلى نهر يلتهب بنار عظيمة وتغلب ماء وطين، يوافق بما جاء غير واحد من الصحابة في قوله:{وإذا البحار سجرت}، إنها تحمي فتصير جهنم ويحبس فيها قوم من العصاة.
وقال بعضهم: سجرت أي سألت، فقد يجوز أن يحيي ويرسل فتصير أنهارا جارية يغل بعضها بنار وبعضها بماء وطين، وبالله التوفيق.
فإن قيل: كيف يجوز إثبات حكيم عن بقراط ولم يكن مصدقا بالرسل؟
قيل: إنما حكينا عنه قوله، ويقال: إنه كذا وكذا، فإنه قد أثبت لهذا الخبر أنه سمع ما قال إنه ليس بذلك، إنما ادعاه المعترض من أول إبداع هذا الوعد، إنما كان نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنه تنبه لما كان لا يجوز أن يثبته له، إلا الأولون من الدعاة إلى الله تعالى، إن كانوا هم المبتدئين للأمر بهت وكذب، وإن كان هذا مسموعا متعالما منذ قديم الدهر، ثم سواء كان سقراط مثبتا لهذا الوعد مصدقا لهذا القول، أو منكرا إياه ومكذبا به، وعلى أنه يمكن أن يكون مثبتا له من جملة ما أخبرت به الرسل، وإن كان غير معترف برسالتهم لاستبصاره من دلائل العقل ما يوحيه في الجملة، فإن لم يكن فيها التفصيل الذي جاءت به الرسل والله أعلم.
وعلى أن سقراط فيما قيل من خبره كان مصدقا بالرسل فيما خلا ثم صار إلى تكذيبهم، لا من حيث رأى: إنه لا يجوز أن يكون الله تعالى إلى خلقه رسول، ولكن لأمر يسير دخلت عليه الشبهة من قبله، وهو أنه كان صاحب جهد في استنباط العلوم التي كانوا يسمونها رياضية وطبيعية.
فلما شاهد الرسل أمل أن يجد عندهم من هذه العلوم ما يستغنى بها عن الجهد والطلب، وستبين له الحقائق وتزول عنه الخواطر والشكوك، فلما لم يجد عندهم منها شيئا استبعد أن يكون الرسول الموحى إليه في البعد من هذه المعلومات كالعامة، فصار ذلك سبا لاتهامه إياهم، وجحده ثبوتهم.
ولو كان الله تعالى كتب له السعادة لعلم أن الله عز وجل إنما بعثهم ليوقف عبادة بهم على ما خلقهم له من عبادته ولم يكلهم أن يعلموا ما يبعث سقراط وأمثاله فيه أنفسهم