شيئا، ولا ذلك مما ينفعهم في الآخرة شيئا، وإذا كان هذا سبب كفره فلا ينكر أن يكون ما حكاه من أمر النشأة الثانية شيئا سمعه من أحياهم قبل أن يتغير رأيه فيهم ويكون منه ما كان وبالله التوفيق.
وأيضا فإن في أشعار العرب في الجاهلية قولا يثبت المعاد يوما لسحاب، فقال زهير بن أبي سلمى في قصيدته المعروفة:
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... ليخفى فمهما تكتم، الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أم يجعل فينقم
وليس يمكن أن يكون زهير أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سبق أيامه، فصح أنه أخذ عمن يقدمه، وأن علم العباد كان خاشيا عندهم والله أعلم.
وأما قول المعترض في المواعيد العاجلة، فجوابه: أن المواعيد العاجلة أدل به على صدق الوعد لأنه لم يبق عن نفسه الثقة التامة بأنه صادق مصدق لا يقدم على أن يعد الناس على اتباعه، ويوعدهم على خلافة مواعيد عاجلة ويصرف لنا مواقيتا معلومة لأنه لا يأمن أن وقع فيها قال خلف: أن ينتهك ستره ويعامل ما يعامل به الكذابون المزرورون.
ولما كانت الدعاة إلى الله عز وجل المتقدمون فعلوا ذلك صح أنهم كانوا مسبقين لصدق أنفسهم فلا يمكن أن يكون اليقين وأفعالهم للأمر قبل إخبار الله تعالى وإياهم بما أخبروا به قومهم، فثبت بذلك أحقاقهم ولم يجز بعد ذلك أن يتأول عليهم ما تأوله المعترض من أنهم قدروا في أنفسهم أن خلفا أن وقع في ميعادهم وضعوا له علة، فإنا قد بينا أن ذلك غير ممكن أن يكون منهم مع قطعهم بما ذكروا أنه كان بعينه وقت تنبئه بعينه، وإنما يصلح طلب العلة لمن وعد خيرا منها أو وعد شيء منها لا في وقت بعينه.
وأيضا فإن ما قال: أن كان مثله يمكن أن يكون من واعد وموعود، فلم يقع في خبر أحد من الأنبياء عليهم السلام، حلف احتاج إلى أ، يطلب له علة لكن كل ما أخبر به وقع في الوقت الذي قال بعينه. لأن نوحا عليه السلام أن أنذر قومه بالاحتياج ودعا على قومه بأن لا يذر على الأرض من الكافرين ديارا. وقد كان ذلك بعينه، فإن الله عز وجل أرسل الطوفان فعم الكافرين بالغرق ولم يتخلص إلا نوح ومن آمن به.