ولئن كان هود صلى الله عليه وسلم أنذر قومه بالبوار، فقد حقق الله تعالى ذلك فأرسل عليهم ريحا عاتية لم يبق منهم أحدا.
ولئن كان صالح عليه السلام أنذر قومه: إن آذوا الناقة ومسوها بسوء بعذاب قريب، فعقروها ولم يخافوا عقبى جناتهم عليها، فقد صدق الله تعالى وعده وأرسل عليهم الثالثة والرابعة صيحة أهلكتهم وإن كان موسى عليه السلام وعد بين إسرائيل عن الله تعالى أن يخلصهم من فرعون واستبعاده إياهم، ويورثه أموال قومه فقد فعل ذلك بهم.
وما يتهيأ للمعترض أن ينص على وعد ووعيد لبني أخلف، فاحتاج إلى أن يطلب لاخلافه عله، فدل ذلك أن مواعيدهم لم تكن صادرة من جهتهم وإنما كانت تصدر عن عبد الله تعالى عاجلة كانت أو آجلة، وبالله التوفيق.
وأما ما حكاه عن عوام المسلمين من اختلاف أموالهم في المطيع والعاصي، إذا رأوا أحدا منهما بأحسن حال، فإنما هو مثل ضربة للأنبياء عليهم السلام من مواعيدهم، وقد ثبت أن الحال التي وضعها لم تكن لهم، فبطل بذلك أن يكون مثلهم مثل الذي ضربه لهم، وبأن ذلك أنه وضع التشبيه غير موضعه، وشك النبي بخلافة لا بنظره على أن ما قاله ليس بقدح في الكلام الذي حكاه من العوام لأن جميع ذلك حق.
وقد فاوت الله بين عباده في الأخلاق والهمم فجعل منهم من لا يصلحه إلا الغني، ومنهم من لا يصلحه إلا الفقر، فهو عز وجل يوسع على المصلح الذي جبله على الصبر وسعة الصدر، ليجزيه في الآخرة بصبره كما يجزيه بغيره من عمله.
والمفسد أيضا قد يوسع عليه إفساده ليبتليه حتى إذا قابل أنعامه بالكفر، جزاه بذلك كما يجزيه بغير ذلك من سيئات أعماله، وقد يقر عليه تشقيقا وتشديدا علي. فيكون ذلك وبالا عجلة له، فأي شيء من ذلك قاله قائل فيمن ذكرت كان مصيبا صادقا، ومحى حد السالكين سبيل المعترض هذا أيضا، لن المنجمين منهم قد ينظرون في حال الرجل، فإذا وجدوها شبهة ضيقة قالوا: هذا من آثار رجل. وقد ينظرون في حال آخر، فإذا وجدوها رفيعة صالحة، قالوا هذا من عطية رجل:
فلو قيل لهم: هذا أيضا مختلف، قالوا: كلا، فإن الرجل إذا كان في موضع من الفلك موافق أعطى، وإن كان في موضع رديء أخذ، فجعلوا لكل واحد من القضائيين