للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالا غير حال الآخر يتحرزون بذلك قضاؤهم عن التناقض ولا ظنا منهم ينظرون إلى رجل متحرز حذر يسلم، فيقولون ما تفعل الحكمة بأهلها، ونظروا إليه لا يسقم، وعلى اختلاف الحالات يسلم.

وقد ينظرون إلى متحرز محاذر لا يسلم، فيقولون الحمية ليست محمودة بالإطلاق. ولبعض الأطباء كتاب في الحمية مفرطة مهلكة للبدن، ونسوا ما قالوه للآخر. وقد يرون رجلا يتهافت بالطعام والشراب وعلى ذلك يسلم فيقولون: ما أقوى طبعه وأحكم تركيبه. وقد يرونه لا يحتضرز ولا يسلم، فيقولون: هذا لأنه لا يسامح نفسه ولا يحسن تدبيره، ونسوا ما فضلوا به للآخر.

فلو قيل لهم: إن هذه القضايا مختلفة متفاوتة مضطربة، قالوا: كلا إن لكل قضاء من هذه حالا يخرج، وبها يتعبد، فيقال للمعترض: فإن عوام المسلمين كذلك يقولون لك ويزعمون أن لكل مقام مقالا، وأن لكل قول حكيته عنا حالا، فأرض منا بما ترضى به من الأطباء والمنجمين وبالله التوفيق.

ويقال له أن المواعيد العاجلة لم تصدر من الأنبياء عليهم مصادر المواعيد الآجلة، التي استبعدتها، وإنما كانت من جهة حجج، أو لذكر الأنبياء على قومهم فغنها، إذا خفت كانت حلا له على صدقهم، وكان يزول ما نفع الأبعاد به بالموعدين تردعه لمن يأتي بعدهم من المنذرين عن أن يكونوا أنبياء، أن جاءهم بآية، وبوعدهم على تكذيبه بوعيد، وأن لا يقنعوا منه بتلك الآية، ويتربصوا لينظروا أيصدق وعيده أو يكذب، وهذا بين في اقتصاص الله تعالى أيضا الأمم الماضية، لأنه قال في قصة نوح:

{فكذبوا عبدنا، وقالوا مجنون وازدجر، فدعا ربه إني مغلوب فانتصر، ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر}.

وقال: {كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر، إنا أرسنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر}.

وقال: {كذبت ثمود بالنذر، فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إلى قوله: {فتعاطى فعقر، فكيف كان عذابي ونذر}.

<<  <  ج: ص:  >  >>