للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما احرموا من الذهاب عن الحق ودلائله لا عن الذنوب، إلا أن تكون الذنوب بالصفة التي ذكرتها وإذا كانت هذه الجملة معقولة وجب أن يرجع إليها في تبين منازل الألفاظ التي وردت بها تلك الآيات، فيقول- يعني قول الله عز وجل: {وقفوهم إنهم مسئولون} عن الله ورسله صلوات الله عليهم، وعن الإيمان في الجملة، وهو معنى قوله عز وجل: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} ومعنى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}، أي لا يسألون عما فعلوه مما كانت مللهم وتقتضيها وتوجبها لما ذكرت.

وله وجه آخر: وهو أنهم لو فعلوا خلاف ما كانت تلك الملك توجبه، لم يكن في ذلك بر ولا قربة لهم مع تمسكهم بالملك الفاسدة، فكيف يقال لهم: ألا خالفتم ما كانت مللكم تدعوكم إليه، ولو كانوا فعلوا ذلك لم يكن ذلك بانفراده برا ولا قربة لهم. وأما المسلم فإنه يقال له: لم فعلت ما كان دينك لا يقتضيه، لأنه لو فعل بخلاف ذلك، لكان لزوم ما يوجبه دينه عليه برا له وقربة، فهذا فرق ما بينهما والله أعلم.

والوجه الآخر: أن الكفار يحاسبون بتعاطيهم كما يحاسبون بأصل دينهم، ومعنى قول الله عز وجل: {وقفوهم إنهم مسئولون}، أي محاسبون. ومعنى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} ومعنى {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} سؤال التعرف لتمييز المؤمنين من الكافرين، أي أن الملائكة لا تحتاج إلى أن يسأل أحد يوم القيامة فيقول: ما كان دينك، وما كنت تصنع في الدنيا حتى يتبين له بأخباره عن نفسه، أنه كان مؤمنا أو كافرا، لكن المؤمنين يكونون ناضري الوجوه، منشرحي الصدور، والمشركون سود الوجوه زرقا مكروبين، فهم إذا كلفوا سوق المجرمين إلى النار، أو تمييزهم في الوقف عن المؤمنين كفتهم مناظرهم عن تعرف أديانهم والله أعلم.

ومن قال هذا فيحتمل أن يقول: أن الأمر يوم القيامة يكون بخلاف ما هو كائن قبله على ما وردت به الأخبار من سؤال الملكين الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه، يسأل عن ربه ونبيه ودينه، أي إذا كان يوم القيامة، لم تسأل الملائكة عند الحاجة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>