للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الثانية: {فأمه هاوية وما أدراك ما هية، نار حامية}. فهذا الوعيد بالإطلاق لا يكون للكفار فإذا جمع بينه وبين قوله تعالى: {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}.

إن الكفار يسألون عن كل ما خالفوا فيه الحق من أصل الدين وفروعه، إذ لو لم يسألوا عما وقفوا فيه أصل دينهم من ضروب تعاطيهم ولم يحاسبوا لم يعيدوها في الوزن أيضا، وإذا كانت موزونة في وقت الوزن، دل ذلك على أنهم محاسبون بها في وقت الحساب والله أعلم.

ومن قال بالوجه الآخر بقي أن يقول: إنما وصف الله تعالى ميزان الكافر بالخفة، وذلك يقتضي أن يكون له وراء كفره، معاصي توزن معه، لأنه وإن لم يوزن من أعماله إلا الكفر وحده، فليس ذلك بدافع الخفة عن ميزانه، فبطل الاستشهاد بهذه الآيات، على أن فروع كفره موزونة، فأما قوله عز وجل: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها}، فإنما هو في أن اليسير من الطاعة لا يضع لفاعل ليكون قد ظلم.

فأما السيئة إذا لم يؤت بها فليس في ذلك ظلم يلحق صاحبها، فدل أن ذلك يعزل عما أريد بالآية والله أعلم.

فإن قيل: فإن معاصي الكافر لا توزن مع الكفر، فهل يعاقب عليها؟ قيل: من قال بهذا القول فينبغي أن يقول: يعاقب الكافر المنهك في السيئات على كفره عقوبة أغلظ مما يعاقب به الكافر المجرد للكفر عن تلك السيئات، لأن كفره هو الذي حمله على ما اقترفه وجناه، ولا يعاقب على سيئة عقوبة مفردة، هو الذي يليق بأن الكفار مخاطبون بالشرائع.

وأما القول الآخر: فإنه إنما يليق بأن يكونوا غير مخاطبين بالشرائع حتى يؤمنوا، وفي القرآن ما يدل على أنهم مخاطبون بها مسئولون عنها، محاسبون مجزيون على الإخلال بها، لأن الله عز وجل يقول: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}، فتوعدهم على منعهم الزكاة، وأخبر عن المجرمين أنه يقال لهم: {ما سلككم في سقر}، فيقولون {لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا

<<  <  ج: ص:  >  >>