للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نكذب بيوم الدين}، فبان بهذا أن المشركين مخاطبون بالإيمان بالبعث، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأنهم مسئولون عنها محاسبون بها، مجزيون على ما أخلوا منها والله أعلم.

فصل

أن قال قائل: أما وزن أعمال المؤمنين فظاهر وجهه لأنه قد يكون للمؤمن حسنات وسيئات، فإذا قوبلت أحداهما بالأخرى وجدت حقيقة الوزن، والكافر لا يكون له حسنات فما الذي يقابل بكفره وسيئاته وأنى يتحقق في أعماله الوزن؟

فالجواب: أن ذلك على وجهين: أحدهما أن الكافر يحضر له ميزان فيوضع كفره، أو كفره وسائر سيئاته في إحدى كفتيه، ثم يقال له: هل لك فن طاعة تضعها في الكفة الأخرى، فلا يجدها فيشال الميزان فترتفع الكفة الفارغة، وتبقى الكفة المشغولة، فذلك خفة ميزانه، وهذا ظاهر الآية، لأن الله جل ثناؤه إنما وصف بالخفة الميزان لا الموزون، وإذا كان فارغا فهو خفيف.

والوجه الآخر: إن الكافر قد تكون منه صلة الأرحام ومواساة الناس ورحم الضعيف وإعانة الملهوف والرفع عن المظلوم وعتق المملوك ونحوها، مما لو كانت من المسلم لكانت قربا وطاعات، وهي تقع حسنات في أنفسها، وإن كانت لا تسلم له عبادة وطاعة، كما أن من المباح من الطعام والشراب واللباس، إذا تعاطاه وقع ذلك منه مباحا، فهذه الخيرات من الكفار فإنها تجمع وتوضع في ميزانه، غير أن الكفر إذا قابلها رجح بها، ولم يخل من أن يكون الجانب الذي فيه هذه الخيرات من ميزانه خفيفا ولو يكن له الأخير واحد وحسنة واحدة لا حضرت ووزنت كما ذكرناها.

ومن قال بالوجه الأول، قال: لو احتسب جزاؤه حتى يوزن لجوزي بها جزاء مثلها، وليس له منها جزاء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جدعان وقيل له أنه كان يقري الضيف ويصل الرحم ويعين في الثواب، فهل ينفعه ذلك؟ فقال: لا، إن عبد الله ابن جدعان لم يؤمن يوما قط رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين، أي لم يكن يؤمن بالله

<<  <  ج: ص:  >  >>