للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبعث والحساب، فيدعوه ذلك إلى الاستغفار وسأله عدى بن حاتم عن أبيه مثل ذلك، فقال: (إن أباك طلب أمرا فأدركه) ويعني الذكر.

فدل ذلك من أن خيرات الكافر ليست بخيرات له، وإن وجودها وعدمها سواء. ومن قال بالوجه الآخر قال: قد قال الله جل ثناؤه: {فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} وليس في الآية فصل بين نفسين، فبخيرات الكافر تحضر وتوزن ويجزى بها، إلا أن الله تعالى حرم عليه الجنة فيجزي بها أن يخفف عذاب الكفر عنه.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {إن أبا طالب في صحصاح من نار وعليه نعلان من النار تغلي منه دماغه، ولولا مكانة لكان في الدرك الأسفل من النار}، فقد بان إحسان أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينفعه من حيث يخفف عذابه فكان كل ذي حساب وخيرات من الكفار في هذا مثله.

وأما ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن جدعان وحاتم طي فإنما هو في أنهما لا يدخلان الجنة ولا ينعمان بشيء من نعيمها والله أعلم.

وهذا الثاني وجه فاسد، لأن الله عز وجل إذا خفف عن الكفار العذاب الذي ذكره جزاء الكفر كان ذلك مغفرة منه لبعض الكفر، وقد أخبر الله عز وجل في كتابه أنه لا يغفر أن يشرك به، فلو جاز مع هذا الخبر أن يغفر بعض الشرك، لجاز معه أن يغفره، وذلك ممتنع.

وفي هذا بيان خبر أبي طالب صحيح، لا يجوز إثباته عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون معناه: إن جزاء الكفر من العذاب واصل إليه، ولكن الله تعالى وضع وراء ذلك عنه ألوانا من العذاب على جنايات جناها سوى الكفر تطيبا لقلب النبي صلى الله عليه وسلم، وثوابا له في نفسه لا لأبي طالب، ولا في هذا القول احتسابا بحسنات الكافر، وتلك ليست بحسنات منه في الحقيقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>