للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعيد}. أخبر أنه يقال لهم قبل أن يدخلوها: {هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ}.

وفي ذلك دليل على أنها تكون بحيث يمكن الإشارة إليها، فقد يحتمل- والله أعلم- أن السموات إذا طويت أدنيت الجنان من أهلها، وذلك لأن أبعادها قبل يوم الدين إنما يكون ليؤمن أهلها بها وهي غائبة، ليس عندهم منها إلا الخبر عنها، فيستوجبوها بإيمانهم بها.

فإذا كان يوم الدين جاء وقت الجزاء وكشفت الأعطية عنها، أعني كشط السموات أدنيت أيضا. كما تبرز الجحيم لأهلها بعد أن كانت محجوبة عن أبصارهم ولا يمكن أن يشار إلى مقدار دونها وهو أعلم بالحقائق، ليس عندنا أكثر من أن الأرض تمد مد الأديم، فنزول استدارتها وتنقلب عن حالها فتكون يومئذ مسطحة ذات طول وعرض، والجنان فوقها ولكن متنحية منحى مشارق سطح الدار عن الدار عن صحنها لأن الله عز وجل سماها غرفا فقال: {وهم في الغرفات آمنون} وقال: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا وقال: لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية}.

وظاهر هذا أنه عز وجل سمى جميع أبنية الجنة غرفا، فثبت أنه سماها بذلك لإشرافها على مساكن الآخرين، ولأنه أخبر أن من في الجنة وقد تطلع فيرى من يريد في سواء الجحيم. وذلك كاطلاع من ينظر من طرف سطح أو لرأس جدار إلى من في سطح الدار فيراه.

وقد أخبر الله عز وجل عن ذلك أن أهل الجنة ينادون أهل النار، وأهل النار ينادون أهل الجنة.

وأخبر أن أصحاب الأعراف ينظرون إلى أهل الجنة مرة فيسلمون عليهم طمعا في المصير إليهم والاختلاط بهم، وإلى أهل النار فيستعيذون بالله من حالهم، وإنما هم كالو إقف على رأس جدار عال يشرف منه على غرفة منها قوم على مقيمون على سرور ولذة من وجه، وعلى صحن كان فيها مأتم وبكاء وجزع من وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>