للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب- وبالله التوفيق- أن ما يقال لهذا القائل: وما الذي يلجيء إلى هذا التأويل؟ ويمنع أن يكون في الجنة مآكل ومشارب وملبس ومنكح. فأنا لا نجد في عقولنا لامتنع هذه الأمور وجها: قال: أن الذي يلجيء إليه النفوس هي الصائرة إلى الآخرة دون الأجساد. قيل: وما الذي يمنع من اصارة الأجساد إلى الآخرة وتخليه فلا نجد على ذلك دلالة، وإنما يفرغ في دعواه إلى أن ذلك يبعد في وهمه، وليس كل ما بعد من الوهم لم يكن على أن ذلك قريب من وهم غيره حتى أنه يبعد في وهمه، وليس كل ما بعد من الوهم لم يكن على أن ذلك قريب من وهم غيره حتى أنه لمتسلط على نفسه، فيقطع بأنه هو الأمر الذي لا يجوز غيره.

وقد كتبنا في هذا الباب ما نرجو أن تقع به الكفاية، ويقال هل: أن البعث إنما يكون للجزاء بالحسنات والسيئات؛ والنفوس لم تكتسب بانفرادها خيرا ولا شيء، وإنما كان التكسب مشتركا بينها وبين الأجساد، فيجب أن يكون الجزاء مشتركا بينهما وبين الأجساد سواء كان الكسب فعل شيء أو ترك شيء. فإذا اجتمع النفس والبدن على التبع في الدنيا بإتباع الشهوات الممنوعة، فكانت الحكمة أن يؤلما جميعا بأشد الآلام، وليكن ذلك إلا عذاب النار.

وإذا جرت الدنيا من مطاعم وملابس ومناكح كان يشبهها من جنس ما أهل الله له غير أنه لم يجدها فلم يتسخط قضاء الله تعالى لحبسها عنه وأحسن الظن به فيه أو من جنس ما حرم الله تعالى جده عليه فتركها أو صبر عنها جاهدا محتسبا، كان أولى ما يعوض عنه في الحكمة أن يوصل من جنسها إلى ما هو أسنى وأجزل وأعظم قدرا وأجل خطرا منها لتصل اللذة إلى ما وصل الألم إليه ويتنعم بالإصابة ما تأذى بالقوت.

ثم لا ينكر أن يصير إلى ذلك من غير هذه الأجناس أسباب يتمتع ويفرح ويتلذذ بها، ولكن ما يدخل في جملتها أشبه بمعاني الثواب.

ويبين ما قلنا أن إقامة العبادات في الدنيا لما كان سببا للتعب والنصب، وجب أن تكون الراحة عوضا منها في الآخرة باتفاق. فلذلك تخريج المرادات وقمع الشهوات في الدنيا لوجه الله عالي يقتضي أن يكون التمكين من قضائها على وجه أفضل وأكمل عوضا منها في الآخرة، وبالله التوفيق.

هذا والشر لا من بعض الوجوه المعقولة في الدنيا مما لا يتصور فهم ولا هم ولا يكاد إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>