حالة عليه، ويحرك على الطاعة، ولا يقع موقع التبشير، وكذلك الغم لا شيء من الأسباب المعقولة في الدنيا أمر غير معقول، فالإنذار به لا يزجر عن معصية، ولا يقع موقع التحريف وهم أبدا يحاكموننا إلى العقل، فإذا هم في هذا الموضع قد فارقوه، وقالوا بما لا شاهد لهم عليه منه وبالله العصمة.
فأما قولهم: أن كل موعود من نعيم الجنة، فمثل مضروب، واستشهادهم بالزرابي والعبقري، فجوابه: إن الزرابي ليس بمثل وإنما أريد بها الزرابي في مناظرها غير أنها ليست من أصواف مصبوغة منسوجة، وغنما هي مخترعة مبتدعة، وهي وأن أشبهت في مناظره الزرابي، فهي أنعم منها والين، واللذة التي تخلص إلى البدن من الجلوس عليها لا تكون في قدر ما يوجد منها في زرابي الدنيا، لكنها تزيد على ذلك زيادة لا يعرف قدرها إلا الله عز وجل.
وكذلك العبقري إنما أريد به أنه في منظر العبقري إلا أنه ليس الفرش، بل هو فرش غير أنه يزيد في معاني اللذة والنعمة على مثله من فرش الدنيا أضعافا مضاعفة لا يحصيها الناس ولا يقدرونها.
ولذلك لبنها لبن إلا انه غير محلوب، وخمرها خمر غير أنها ليست بمعتصرة، وكيف لا تكون خمرا بالحقيقة، والله عز وجل يقول:
{يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك ومزاجه من تسنيم} فهلا جعل مثلا لشيء آخر ليعرفوه به، ومتى كان المجهول يعرف إلا أن هذا كله والثمار وغيرها تكون مخترعة مبدعة، وإن الذي خلق خير منها، وأسنى وأفضل في الدنيا والآخرة. فإن كان الذي سأل السؤال الذي ذكرنا يعرف بالله جل ثناؤه فليس له أن يعجب من هذه الموعودات. فيطلب لها تأويلا ويسميها أمثالها وبالله العصمة.
وقد قال من قال من الأوائل: أن جوهر الشمس الذهب، وجوهر الزهرة الزبرجد والزجاج، وجوهر عطارد الألماس جوهر القمر الفضة، ومعلوم أن الناس لا يعرفون الذهب ألا ما يستخرج من المعادن، وكذلك الفضة والحديد والنحاس.
وإن الكواكب لا تخلق من المستخرجات من المعادن من هذه الأجناس، فإنها في