جواهرها ليست كالتي في المعادن من هذه الأشياء في الكثافة والصلابة ونحوها، ولكن التباين بينهما شديد.
فإن جاز أن يخلق الله تعالى في السماء خلقا من ذهب أو ورق أو نحاس غير مستخرج من معاد الأرض والطف من المعدن أضعافا مضاعفة، فلم لا جاز أن يحدث في الجنة خمرا غير معتصرة من العنب ولبنا غير مستدر من ضرع، وزرابي لا من صوف مجزوز عن ظهر الغنم، وإن كان المعروف في الدنيا أن الخمر من العنب واللبن من الضرع، والزرابي من الأصواف التي على ظهر الغنم وبالله التوفيق.
فصل
إن سأل سائل فقال: إنكم تزعمون أن للجنة خزنة ورأسهم في رضوان، وللنار خزنة ورأسهم ملك، ويتلو في القرآن:{وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب} فأخبرونا عن هؤلاء الخزنة، ماذا يفعلون؟ وعن من يخزنون والخزن فيما بيننا أن يكون حفظا لما يخشى عليه أن يؤخذ ويفوت على صاحبه، فمن الذي يمكن أن يأخذ من الجنة شيئا، فيفوته؟ ولئن كان ما في الجنة يخزن لأنه نعيم مرغوب فيها، فالذي في النار يخزن منها، وما الذي يدعو إلى خزنه؟
الجواب: أن خزن ملائكة الجنة نعيمها إنما يكون لأهلها، فكل واحد منهم يجعل إليه مراعاة قسط معلوم من تلك النعم لمن أعد له، حتى إذا وافى الجنة كان هو الذي يمكنه منه بأمر الله تعالى بخزنه إياها قبل التسليم هو مقامه على ملاحظة ما جعل بسبيله وانتظار من أهل له، واتصال ذلك إليه إذا حضر، وعرضه عليه على الوجه الذي يكون أسر له والترتيب الذي يكون أوقع بقلبه وأنغم بعينه، وذلك عبارة منه لله تعالى لأنه يأمره بعمل ما يعمل، فهذا خزن نعيم الجنة لاحفظها عن أحد يخاف منه عليها.
وأما خزن ملائكة النار فيحتمل أن يجزى كل واحد منهم بعض الأنكال والمقامع والأغلال والسلاسل لمعنى أن ينفرد به، فيكون هو المستعمل والواضع والرافع إلى الذين