فإذا أخبرت به أهل الكتاب ووجدوه موافقا لما عندهم، ازداد المؤمنون بك إيمانا لمعرفتهم بأن أحدا لم يخبرك به إلا الله جل ثناؤه واستيقن أهل الكتاب أن ذلك ينزل من الله تعالى عليك كما هو تنزيل من يقدمك، ولا يرتاب المؤمنون وأهل الكتاب بذلك، ولو لم يكن في كتبهم من هذا خبر، لأنهم إذا راجعوا عقولهم، علموا أن الله تعالى قادر على أن يقوي تسعة عشر ملكا ومن دونهم على تعذيب عالم من الناس، وأنه لم يقصرهم على هذه العدة إلا لحكمة كانت له فيها، ولكنه استأثر بها ولم يطلع عليها خلفه فلم يوقع فله العدد الذي أخبرناك به رتبة في قلوبهم.
{ويقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا} أي ليقولوا: هذا مثل وليس بحقيقة، فما أراد الله بهذا، وليستعدوا أن يكون الذين يوردون سقر على كثرتهم، بلى يعذبهم تسعة عشر ملكا، فأخبارك بهذه العدة يجري مجرى سائر ما أنزلناه عليك اختبارا لقومك، ليظهر المؤمن المستيقن من المرتاب والمشكك وتثبيتا للذين آمنوا وتقوية لعزائمهم والله أعلم.
فصل
إن قال قائل: أليس الله بكل شيء عليم؟ قلنا: بلى! قال: أفيعلم مبلغ حركات أهل الجنة وأهل النار؟ قيل: إنها لا مبلغ لها، وإنما يعرف مبلغ ما يكون له مبلغ. فأما ما لا مبلغ له فيستحيل أن يوصف بأنه يعلم لها مبلغا.
يقال لهذا القائل هل يعلم الله مقدارها كلها؟ فإن قال: لا كل لها. فيقال: إنه يعلم. قيل له: وكذلك لا كل لحركات أهل الجنة وأهل النار. قيل: إنها لا مبلغ لها وإنما يعرف مبلغ ما يكون له مبلغ. فأما ما لا مبلغ له فيستحيل أن يوصف بأنه يعلم لها مبلغا.
يقال لهذا القائل. هل يعلم الله تعالى مقدوراته كلها. فإن قال: لا كل لها. فيقال إنه يعلمه. قيل له: وكذلك لا كل لحركات أهل الجنة وأهل النار معلمه وبالله التوفيق.