للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متناهية. وأما ما عدا الكفار فإن ما فيه من هتك الحرمة أقل لأن فاعله يعتده دينا، ويعتقد أن له تبعية، فيأتيه مترددا بين الخوف والرجاء، فكان في حال الدنيا مراعيا لبعض الحق، فأوجب ذلك أن يكون لجزائه قدر وجد، كما كان لدينه قدر وجد، من حيث كان في الجملة دون الكفر بدرجات كثيرة، فلذلك قلنا أن التخليد لا يقع لها وبالله التوفيق.

ويدل على أن نعيم أهل الجنة وشدائد أهل النار غير منقضية، أن نعيم أهل الجنة لو كان منقضيا لكان أهل الجنة أشد خوفا وحزنا لأنهم كانوا يخافون انقضاء نعيمهم فيحزنون له. وقد أخبر الله عز وجل أنهم {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ولو كان عذاب أهل النار منقضيا لكان في رجاء الانقضاء والخلاص واحد لهم في الحال، وليس في النار أمن ولا سرور، كما ليس في الجنة خوف ولا حزن. فثبت أن واحدا من الجزائين ليس بمنتقض والله أعلم.

ومن العلماء من قال: أن الله عز وجل إنما يدخل النار من يدخلها لأنه خلقهم منها، ويدخل الجنة من يدخلها لأنه خلقهم لها. والطاعة والمعصية علامتان يميز بهما المخلوق للجنة من المخلوق للنار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" وقال: "ما أحد يدخل الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته".

وقال الله عز وجل {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس} ومن ذهب إلى أن هذا لم يلزمه السؤال الذي قدمت ذكره، لأنه يقول: بأنه خلق الكافر للنار، ولا يغني تناهي دينه في الزمان شيئا والله أعلم.

فصل

وكل معذب في الآخرة من كافر أو مؤمن، فإنه يميز بينه وبين من لا عذاب عليه عند

<<  <  ج: ص:  >  >>