للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوجب أن يكون الكفار محبين لله جل ثناؤه، ولولا ذلك لم يقل: يحبونهم كحب الله، أي كحبهم لله.

قيل له: قد يجوز أن يكون المعنى يحبونهم كالحب الذي ينبغي أن يكون لله عز وجل وقد يحتمل أن يكون أراد به المشركين الذين يعترفون بالله عز وجل ويزعمون أنهم يحبونه، وهو أيضاً يحبهم، غير أنهم مشركون به بعض خلقه، كالنصارى الذين يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وزعموا مع ذلك أن المسيح ابن الله. ومشركي العرب الذين عبدوا الأوثان وعظموا، وقاتلوا من سبها، هي بعينها، وقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فأحبوا الله تعالى وأحبوا الأوثان أكثر من حبهم لهم، فحبط بذلك حبهم لله تعالى، ولم يحصلوا على ثواب واستحقوا بإيجادهم الأنداد من دونه أعظم العقاب والله أعلم.

فصل

فأما ما بدأ بذكره من معاني المحبة وهو في اعتقاد أن الله عز وجل محمود ممدوح من كل وجه، فإنه أبين أركان المحبة إذا كانت العبادة الجارية ماضية به، فإن أحداً لا يحب المذمة تكون فيه، وإنه يحب لمحمده يعرفها له إما بالإطلاق وإما بحسب ما يكون عنده فيها. فإما بالإطلاق: فنحو محبة المسلمين بعضهم بعضاً لأن المواتاة والموافقة من بعض لبعض محمودة عندهم، وإن كانت الموافقة على الخير هي المتسوفية للحمل. فثبت أن الحب لا يكون إلا على ما يحمدون ما يذم بحبة الله تعالى، أولها: اعتقاد أن كلها مدائح، وهي كذلك بالحقيقة، فوجبت لها المحبة عليها وبالله التوفيق.

وكذلك اعتقاد المعنيين الآخرين وهما إحسانه وإنعامه، وإلا مجاوزتها حد ما يأتي عليه الشكر، هما باللسان للمعنى الذي تقدم ذكره، لأن أولها يلزم الشكر والآخر يضاعفه والأول يلزمه المنة والآخر يؤنس من إسقاطها، نوكل واحد منهما ينافي البغض لأن من أبغض أحداً لم يستطع حمده ونشر محاسنه، والاعتراف له بالفضل والأفضال.

<<  <  ج: ص:  >  >>