للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أنس من مقابلة منعم إذا شكره علم أن أقل ما يلزمه له أن يعتقد أنه مرتهن بحقه، ويصلح قلبه له حتى لا يتمكن منه ما لو بدأ المنعم يكرهه، ولا بتوطئه إلا ما ظهر له منه كبيرة وأعجبه، والله عز وجل لا يخفى عليه شيء ولا إنعام يعدل إنعامه، ولا إحسان يوازي إحسانه. فهو أحق بأن لا يعتقد العبد في ذاته إلا ما يرضاه، ويعصي في ارتكاب ما يكرهه هواه وبالله التوفيق.

وكذلك ما ذكرته في ترك الإشتغال لقضاياه، وتر الاستكثار لتكاليفه، لا استقال القضايا واستشعار ظلم، واستكثار التكاليف واستشعار حمل، وكل واحد منهما حقا وأعيان فمن أضمر هذا للآخر في نفسه فقد سهل لبغضه لأن المظلوم لا يحب الظالم ولا المحمول عليه الحامل.

وأما إذا لم يستقل القضايا وعلم ما نفذ فيه قضاؤه فإنما كان ملكه، وكان أولى به منه أو تجاوز ذلك إلى أن يستجلي ما يجزي به القضايا لأجل إنما عرض، فمن قبل المولى من قبل أحد، لقوله: وواحد، فيكون ذلك عائدا عليه بفضاضة وحقارة، فناهيك بالأمرين: أما أولها فإبعاد لما يفسد المحبة عن القلب، والآخر فيوصل إلى اكتساب محبة الله، وكل واحد منهما مما تبعث عليه الرغبة في رضا الله جل جلاله، والكراهة تسخطه، وإذا لم ينكر الفرائض علم أن الله تعالى قد أبقى عليه ولم يخرجه، ويساهله ولم يشدد عليه، فدعاه ذلك إلى نعيم طاعته، ويطلب رضاه وموافقته.

فإن الإتقاء ممن يملك الاستيفاء اتصال، كما أن الاستيفاء ممن يملك الاتقاء شديدو الإيفاء والإنعام والإفضال عن دواعي المحبة والبواعث عليها. وكذلك للإشفاق من انقطاع نظر الله جل جلاله هو اكدار كان المحبة، لأن الإشفاق لا يكون إلا على مظنون به متنافس فيه فمن كان نظره إلى ما أكرمه الله تعالى من معرفته وتوحيده هذا النظر دل ذلك من حاله على علمه بحقه.

والعارف بحق سيده والمنعم عليه لا يكون مبغضا له وكذلك تعلق الأمل بالله عز وجل، مع العلم بأنه لا غنى عنه، وأنه جواد كريم هو من أسباب المحبة، لأن أحدا لا

<<  <  ج: ص:  >  >>