للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعرفهم أنه لا ينبغي لهم في حال من الأحوال أن يفارقوا طاعته أو يقصروا فيه مستبشرين منه أمر لما يرونه من نعمه السابغة عليهم مقدرين أنه راض منهم بالتستر من الطاعة التي يوفونه من أنفسهم، فإنه لا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون. بل سبيلهم في الأحوال كلها أن يكونوا مشفقين من سخطته ومؤاخذته، محضرين بقلوبهم أنه إن أراد بهم بلاء سوى دونه ما كان لم يجدوا من يدفع عنهم ولا من يمنعه بما يهلكهم منهم.

وأما الثاني: فإن الله عز وجل أثنى على الذين يدعونه فيقولون: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} وسماهم راسخين في العلم. ومعلوم أن أحدا لا يدعو فيقول: رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، إلا وهو خائف على الهدى (الذي) أكرمه الله تعالى به، من أن يسلبه إياه. كما أن أحدا لا يدعو: رب لا تسلبني سمعي وبصري بعدما جعلتهما لي، وهو خائف عليهما، وجل من ذهابهما.

فلما أثنى الله تعالى على الداعين إياه بما ذكرنا، كان ذلك الثناء في الحقيقة مما استحقوا بمعرفتهم قدر النعمة عليهم في هداية الله تعالى إياهم، وحبهم بها، لأن دعائهم عنها بشأنها ولأجلها كان وقال عز وجل حكاية عن أهل الجنة أنهم يقولون: إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم}.

وجاء في التفسير: أنهم كانوا مشفقين من أن يسلبوا الإيمان ثم يوردوا يوم القيامة موارد الأشقياء، وكانوا يدعون الله تعالى بأن لا يفعل بهم ذلك، وهذا عين ما ذكرت، والقول في عامة نعم الله تعالى كالقول في الإسلام، وإن كان الإسلام أعلاها وأعظمها.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدعو: "رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين" وهذا أيضا للإشفاق من أنه إذا سلب التوفيق لم يملك نفسه ولا يأمن أن يضيع الطاعات ويتبع الشهوات فينبغي لكل مسلم أن يكون هذا الخوف من همه وبالله التوفيق

<<  <  ج: ص:  >  >>