وأما الثالث: فما أكثر ما في القرآن من ذكره والبعث عليه. قال الله عز وجل في غير موضع: يا أيها الناس اتقوا ربكم وقال {وإياي فاتقون}. وقال: واتقوني يا أولي الألباب وقال: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا، وقودها الناس والحجارة}.
إلى غير ذلك من الآيات الكثير المجتمعة المعاني ومرجعها إلى الأمر بالتقوى. وهو أن يقي المخاطبون أنفسهم نار جهنم بفعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه. ومعنى اتقوني: اتقوا عذابي ومؤاخذتي، والكلام لا يحتمل غيره والله أعلم.
ولعل الإخافة بالوعيد إنما هي لأنه ليس كل مخاطب يكمل لأن يلتقي ما يعرفه من ذلة نفسه وعظمة الله تعالى عن التحويل على ما فيه رضى الله تعالى بالوعيد، فكان الوعيد بينها لأهل الغفلة، ودلالة على ما في العصيان من الشقوة. وقد جاء في هذا المعنى أخبار كثيرة مرجعها إلى ما ذكت والله أعلم.
فصل
وقد يجد الناس في أنفسهم الخوف من أشياء كثيرة مثل خوف الوالد من موت ولده، وذهب ماله والغرق أو الحرق أو الهدم، أو ذهاب السمع أو الوقوع بيد سلطان جائر أو ابتلاء بسبع أو عدو ومن كان وما يشبه ما ذكرنا من أصناف المكاره، إلا أن هذا ينقسم إلى محمود ومذموم:
فالمحمود أن يكون الخوف من هذه الأمور مما يمكن أن يكون تحتها من سخط الله جل ثناؤه، فإنها قد تكون عقوبات ومؤاخذات ممن خافها وامتنع لأجلها من المعاصي خيفة النار، وكذلك أن خشي أن يكون أخذ الله تعالى منه ما أعطاه إيلاء واختبارا حتى أن صبروا واحتسب اثابه، وإن جزع واضطرب لم يسلم لقضائه، زاده مثلها، فخاف أن ذلك أن كان لم يملك نفسه، وكان منه بعض من لا يحبه الله تعالى جده. ومن