للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث آخر: "ولكن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له" فقد يحتمل أن يكون معنى هذا أن الله تعالى إذا ظهرت قدرته على شيء فيه ما يريد، ولم يكن امتناع عليه.

وكذلك إذا تجلى لكم بأن خالف بكم ما عودكم وسلب الشمس وضياءها في نهاركم، أو القمر نوره في ليلكم، فأحسنوا له بأن تصلوا وتسبحوا وتقدسوا وتستغفروا ولا يمنعكم عن ذلك أن تقولوا: عن قريب ستجلوا اعتمادا على عادة ألفتموها، فإنه إذا تجلى كان ذلك التجلي ابتداء نعمة منه ينعمها عليه، وليس يجوز أن يكون لتحديد النعمة سببا للإخلال بشكر ما سلف فيها والله أعلم.

ومنها التخشع عند قراءة القرآن وسماعه وذكر الجنة والنار كما قال عز وجل: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}.

وقال جل ثناؤه: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم}.

وقال جل ثناؤه: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله}، أي لو كان حقه أن لا يستقر بل يتصدع من خشية الله فكتب لا تراه أن رأيته إلا متصدعا، فكيف بقلب المؤمن الذي هو ألين من الجبل أنه بالخوف والخشية والتهيب والرهبة أولى وأحق.

ويحتمل أن يكون المعنى. إن قلب الكافر الذي إنما هو كمضغة لحم ليس بلين لقبول مواعظ القرآن ولا لنبين إعجازه وما فيه من صدوف حجج الله على عباده، أي فقد كان بأن يخشع أولى من الضجر لولا أن الشقي لا ينقلب سعيدا، والخبيث لا يتبدل طيبا، وما ذكرنا في هذا الفصل فلا يكاد يخفي وجهه، لأن الرهبة من الله تعالى وإن كان حقها أن لا يلزم المؤمن دائما، فإنها عند تجدد العهد بسماع الوحي، والوعد والوعيد، أحق وأخلق.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبكي إذا قرأ بالليل في صلاته حتى يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان إذا مر بآية رحمة سأل الله رحمته، وإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله

<<  <  ج: ص:  >  >>