من عذابه، فكذلك ينبغي للمؤمن سواه أن يكونوا هم أولى بذلك منه إذا كان الله تعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانوا من أمرهم على خطر- وبالله التوفيق- لما يرضيه والعياذ مما يسخطه إنه أولى للأمرين ومالكهما برحمته.
ومنها إساء الظن من كل أحد بنفسه حتى لا يظن في حال قط إلا أنه مقصر في حق الله تعالى جل جلاله وغير موف حق العبودية كما يلزمه، وإن كان مؤديا للفرائض غير مخل بها أمرها وتهتكا لا تبدوا وطاعة ولا مواقع معصية، وذلك أن يعتقد أن ما كلفه الله عز وجل إذا كان لا يستغرب وسعه ولا يستنفذ طرفه.
وكان الله عز وجل خلقه لعبده، فهو إذا قد أبقى عليه كثيرا من حقه، ثم إنه إذا كان أمره أن يعبده بما يثبه له وفضله على شرط الإخلاص، فقال:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وكان لا يصلي إلا وما في قلبه من أشغال الدنيا أكثر من شغل الصلاة، أو لا يخلو من اختلاطها به، ولعله مع ذلك يرابي، ويتصنع ولا يزكي إلا من جزاء الدفع، مماطلا ثم متساهلا بنفسه فيما يعطي وفيمن يعطي.
ولا يصوم إلا متبرما بالصيام مستطيلا للنهار، مستعجلا للسماء، ومعرضا للنوم، لئلا يشعر بالصوم، أو مستكثرا من الطعام لئلا يبين عليه أثر الصيام، أو حافظا للإمساك عن الطعام والشراب، ما لو وقع في أعراض الناس وغير ذلك مما لا يجوز ولا يحل.
ولا يحج إلا مدافعا بالفرض مستبينا ثم مكدا للطهر محملا إياه ما لا يطيقه ولا يكون في أوله وآخره إلا غافل عما شرع الحج له حتى يدعوه ذلك إلى أن يكون بعده كما كان قبله أو شرا منه.
فكيف يجوز له مع هذا كله ومع ما تركناه من أمثاله، فلم يمكنه أن يرى أنه قد وفى حقوق الله تعالى فيؤديه ذلك للأمن وسكون الحساس فالأولى به إذا، أن أهيي له داعيا إليه في العفو والغفران. فإن ذلك أشبه بالعبودية والاستكانة والله أعلم.
ومنها أن التخوف لا يحق إلا من الله عز وجل لأنه ملك الملك وولي النفع والضر والأخذ والترك والنواصي كلها بيده، لا يملك أحد من دونه ضرا ولا نفعا. وقد يقصد الواحد من عباده أن يسيء إلى مثله، فيصرف قلبه عنه، إما إلى الإساءة وإما إلى الحرمان.