وتارة يفلس المشترون إلى غير ذلك من وجوه الخسران. ومثل هذا إن الخرابين يتركون التوكل على الله فيظلمون الكثير. إن اللائي يخربون عليها ويعيدون على شركائهم في الماء، وعسى أن لا يؤدوا حق الله تعالى فيما تخرجه الأرض، فلذلك بعث عليهم بالجراد والبرد، ويقطع عنهم الماء، ويزاد على الحاجة حتى يكون منه الغرق والضياع.
والآخر: يخربون ولا ينفتحون، وذلك منهم ترك للتوكل، فلذلك لا يرزقون ما يريدون. فهذا أشبه بمعنى هذا الحديث مما سواه وبالله التوفيق.
وأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي عرض عليه أن يعالجه من الزيادة التي رأتها بظهره طبيبها الذي خلقها، فيحتمل أن يكون لم يثق بالذي يعرض لمعالجته فدفعه بأحسن وجه وأجمله. والدليل على ذلك أنه قد عالج وداوى كما سنبينه بعد انقضاء الكلام في هذه المنزلة إن شاء الله عز وجل.
فأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:(إن الله يرزق عباده المؤمنين من حيث لا يحتسبون) فمعناه. أبى الله أن يجعل أرزاقهم من حيث يحتسبون وهو كذلك، ولكنه قد جعل كثيرًا من أرزاقهم من حيث يحتسبون. كالتاجر رزقه من تجارته والحراث رزقه من حراثته، والصانع يرزقه من صناعته، والمحتاجين يرزقهم من صدقات المسلمين هذا هو الأصل العام. وقد تخرج منه أمور نادرة كالرجل يصيب معدنا أو ركازًا من حيث لا يحتسب أو يموت له قريب فيرثه أو نحو ذلك. ونحن لم نقل إن الله تعالى لا يوصل أحدًا إلى خير إلا بجهد وسعى وتكلف، وإنما قلنا إنه قد بين لخلقه وعباده طرقا جعلها أسبابا لهم إلى ما يريدون، فالأولى بهم أن يسلكوها متوكلين على الله تعالى في بلوغ ما يؤملونه دون أن يعرضوا عنها ويجردوا التوكل منها. وليس في الحديث ما يفسد قولنا والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:(إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله واجملوا في الطلب). فأول ما فيه أنه أمر بالطلب وأذن فيه، إلا أنه أمر بإجماله، وإجمال الطلب هو المقرون منه بالتوكل. فإنه إذا خلا منه وكان