أن يكون أراد بهم العاطين عن أحوال النار، وما فيها من الأسباب المعدة لدفع الآفات والعوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء، ولا يعرفون فيما ينزل بهم ملجأ إلا الدعاء والاعتصام بالله عز وجل.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أكثر أهل الجنة البله عن شهوات الدنيا وزينتها، والحبائل التي الشيطان فيها) وقال الله عز وجل:} إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات {فقيل: أراد الغافلات لما يرمين به من الفحشاء لا يتفكرون فيها ولا تخطر بقلوبهن، فلا تكون من همهن.
فكذلك هؤلاء الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر هم الغافلون من طب الأطباء ورقي الرقاة فلا يحسنون منها شيئًا إلا الذين يحسنونها فلا يستعملونها. والدليل على صحته إن سيد المتوكلين رسول رب العالمين يروى عنه أنه اكتوى من الكلم الذي وقع بوجهه يوم أحد، وكوى سعد بن زرارة من الشوكة، وأمر أبي بن كعب أن يكتوي من سهم أصابه يوم بدر، فدل ذلك على أن الاكتواء الذي وصفه الله تعالى فلا يستشفى به مع التوكل على الله في أن موقعه موقع النفع. ويشفى به. أفضل من التوكل بلا اكتواء ولا غيره من صروف المعالجات.
وأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لو تتوكلون على الله يرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانا) فأول ما فيه: أن الطير إذا غدت فإنما تغدو بطلب الرزق، ومعروف من عاداتها أنها لا تقع إلا حيث تبصر لقطا، وإنها لا تزال تسبح في الهواء حتى ترى ماء فتنزل عليه، وكل ذلك ابتغاء منها للرزق. فثبت أن الأولى بالحديث أن يحمل على أن الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل المال، ولو توكلوا على الله جل ثناؤه في ذهابهم وصحبهم وتصرفهم، ورأوا أن الخير بيده ومن عنده، ولم يتصرفوا قط إلا سالمين غانمين كالطير الذي يغدو خماصا وتروح بطانا ولكنهم يعتمدون على قوتهم وحذرهم، فيفتنون ويكذبون، ويحلفون على الباطل ولا ينالون وكل هذا خلاف التوكل ونقيضه، فلذلك يخفقون. فتارة تقطع عليهم الطريق، وتارة يكسد المتاع وينخفض السعر،