فالجواب: أن معنى قول الله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم} أي أكملت لكم وضعه، فلا أفرض عليكم من بعد، ما لم أفرضه إلى اليوم. ولا أضع عنكم بعد اليوم ما قد فرضته قبل اليوم، ولا تغليظ من الآن ولا تخفيف، ولا نسخ ولا تبديل. وليس معناه أنه أكمل لنا ديننا من قبل العلم لنا، لأن ذلك لو كان كذلك لسقط عن المخاطبين بالآية الدوام على الإيمان. لأن الدين قد كمل وليس بعد الكمال شيء وإذا كان الدوام على الإيمان مستقبلا وهو إيمان، فكذلك الطاعات الباقية التي تجب شيئا فشيئا كلها إيمان. والكمال راجع إلى كمال الشرع والوضع لا إلى كمال أداء المؤدين له وقيام القائمين به والله أعلم.
ثم إن في الجواب ما يشتق منه العلم بزيادة الإيمان، لأن الإيمان فرض دائم. ولكنه لما لم يكن في الوضع استدامة عقده بالقلب والإعراب عنه باللسان، جعل ما يقع من ذلك على الصحو كالمكرر على الدوام في كل وقت ما لم يتعقب بالنقص والإفساد. وإذا كان الدوام على الإيمان بمعنى التحديد في كل زمان، صح أن للمؤمنين في كل وقت إيمانا وذلك يوجب أن يكون كل متقدم منه مردادا بما يحث بعده، كما أنه إذا كانت في كل وقت صلاة، وجب أن يكون ما تقدم من صلاته مردادا بما يعقبها والله أعلم.
وإن قال قائل: الزيادة على الإيمان لا تتحقق إلا وراء الإيمان، كما أن الزيادة على المكتوبات الخمس لا تكون إلا خارجة منها؛ والزيادة على الصيام لا تكون إلا وراء إيمانه والزيادة على الدين لا تكون إلا بعد إيفائه بتمامه فكذلك الزيادة على الإيمان، إن كانت فينبغي أن تكون بعد إيفاء الإيمان بتمامه وانتهائه إلى غايته، ثم الزيادة عليه. وإذا كان من قولكم أن إيمان المؤمن إنما ينتهي بتناهي عمره! فأنى يتوهم الزيادة عليه؟
فالجواب: أن الزيادة على الصلوات الخمس كما لا تكون إلا خارجة منها، والزيادة على الصيام المفروض لا تكون إلا خارجة منها، فكذلك الزيادة على الإيمان الذي هو بضع وسبعون شعبة، لو كانت، لم تكن إلا خارجة منها. ولكن الإيمان الذي يتشعب هذه (الشعب)، ينبغي أن تكون كل شعبة منها إيمانا. كما أن فرض الصلاة إذا انقسمت إلى خمس صلوات في خمسة أوقات، ثم انقسمت كل صلاة منها إلى ركعات، وجب أن تكون كل شعبة من هذه الشعب صلاة.
وكما أن فرض الصيام إذا انقسم إلى أيام الشهر، كان صوم كل يوم صوما بالحقيقة وركنا.