الإيمان انفراد أصله عن فروعه، أو انفراد أصله وبعض فروعه عما نفي منها مما اشتمل عليه الخطاب والتكليف. لأن النقصان خلاف الزيادة، فكلما وصفت به الزيادة وجدت، وجب أن يكون خلافه هو النقصان. فإذا قيل لمن آمن وصلى زاد إيمانه، وجب أن يقال لمن آمن ووجبت عليه الصلاة فلم يصل أنه ناقص الإيمان!.
وإذا قلنا لمن آمن ووجبت عليه الصلاة فصلى، ولما وجبت عليه الزكاة منعها، أنه ناقص الإيمان! فمعنى ذلك أنه عدم منه فعل مأمور به، ولو وجد منه كان إيمانا في نفسه وزاد به متقدم إيمانه. فلما لم يكن أوجب ذلك انفراد إيمانه المتقدم عما كان من مقتضاه ومعناه في الحقيقة معناه كان ذلك ناقصا.
والتأويل الثاني: أن نقصان الإيمان قد يكون من هذا الوجه، وقد يكون نقصانا يلحقه بارتفاع شعبة شعبة، كانت موجودة فبطلت عليه وارتفعت، فنقص إيمانه. يعني أن الزيادة التي كانت لإيمانه لأجل تلك الشعبة، فلما عدمت فحل النقص محلها وأخذ مكانها. وذلك عند قائل هذا القول أن يأتي الرجل بفرع أو أكثر من فروع الإيمان، لم يرتكب معصية وذلك أن هذه المعصية تحبط ما تقدمها من الطاعات بقدرها، فيصير ذلك القدر من الطاعة كأن لم يكن منه، وذلك إيمان كان حاصلا له، فلما حبط كان جزءا من إيمانه نقص.
واحتج بصاحب هذه المقالة: أن المعاصي خلاف الطاعات، كما أن الكفر خلاف أصل الإيمان، فلما كانت الطاعات فروع الإيمان وجب أن تكون المعاصي فروع الكفر. ثم إذا وجب ذلك، وكان الكفر محبطا لأصل الإيمان إذا طرأ عليه، وجب أن تكون المعاصي التي هي فروعه محبطة بقدرها من الطاعات التي هي فروع الإيمان إذا طرأت عليها. فإذا قيل لهؤلاء إذا أجزتم أن تحبط المعصية قدرها من الطاعة، أتقولون أن المعاصي إذا تتابعت وكتبت، وقلت الطاعات فأحبطتها المعاصي، ولم يبق إلا أصل الإيمان، أن ما بقى من المعاصي يحبط من أصل الإيمان سببا؟.
وما تقولون في كافر أسلم. فكان أول عمل أستقبله بعد إسلامه معصية واقعها انتقص تلك المعصية! من قالوا: كلا، الفرع لا يعترض على الأصل، وإنما يعترض الفرع على فرع مثله، وعلى الأصل أصل مثله، فيكون حاصل قول هؤلاء في نقص المعصية الإيمان. وأنها تنقص ما زاد على الأصل. فأما الأصل فغير محتمل النقصان. والأصل محتمل الزيادة