للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا فإنه قد ثبت أن ثواب الإيمان قد ينقص سيئات المؤمن، وذلك أن الله جل وعز إذا لم يعف عن المؤمن المسيء فأدخله النار، وعذبه فيها مدة من المدد قد علم أن نقصا قد لحقه في ثواب إيمانه، لأن ثواب إيمانه- لولا سيئاته- كان يكون أن يدخل الجنة مع الداخلين ثم يبقى خالدا ولما وافى القيمة مسيئا تخلف عنهم، ففاته التنعم بالجنة مدة كونه في النار. وإذا كان هذا جائزا، لم يصح أن يجعل الأصل في الباب إلا التسوية بين أصل الإيمان وفروعه، في أن السيئة توجب ارتهان الحسنات بتبعاتها، إن كانت أحاطت بها أبطلت الثواب كله! وإن لم تحط بها من الثواب بقدر نفسها.

فإن قيل لقائل هذا القول: فبما تقول فيمن استوت حسناته وسيئاته، فلم يكن من ثواب أصلها وفروعه شيء يعبد بعدما أجرت أن يكون هذا، ولا دار إلا الجنة والنار! أين يكون مأواه؟ فإن قلت: النار! فقد أخلفت لأنه ليس بكافر. وإن قلت: الجنة! فقد أحلت، لأنه إن كان مؤمنا فالجنة جزاء الإيمان، فمن لا جزاء له عند الله فأنى يستحق الجنة! فقد يشبه أن يكون جوابه في هذا الموضع: أن من كان بهذه الصفة، فإن الله تبارك وتعالى إما يمن عليه بالعفو عن سيئاته كلها أو بعضها، أو يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم فيعفو الله عنه السيئات أو بعضها، فإن غفر لها كلها أدخله بالعفو كما كانت مرتهنة من سيئاته والله أعلم.

واحتج لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتنى كلبا ليس كلب صيد أو ماشية، نقص كل يوم من أجره قيراط". فقد أبان أن المعصية تعترض على أجر الحسنات، ولم يقل أنها تحبطها أو شيئا منها، ولم يفصل- مع ذلك- من أجر عمل وأجر عمل سواه، فكانت أجور الأعمال كلها في ذلك بمنزلة واحدة.

ومما يحتج به للقوانين جميعا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تعدون المفلس منكم؟ فقالوا: من لا درهم له ولا دينار! فقال: إن المفلس من يأتي يوم القيامة وقد ظلم هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ من حسناته فيدفع إلى الآخر فإذا لم يبق له حسنات، أخذت سيئات

<<  <  ج: ص:  >  >>