قيل: لا، لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من فروع الإيمان، فإنما يلزمه بالإيمان. أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من فروع الإيمان قائمًا بعد صلى عليه، فأما الذكر الذي صار به مؤمنًا فلم يعمل في إيجاب ذلك شيئًا. ألا ترى أن من آمن في آخر وقت الصلاة، فانقضى مع استكماله الإيمان لم يكن عليه قضاء تلك الصلاة، ولا يكون وجود الإيمان منه، وآخر الوقت موجبًا عليه صلاة الوقت، بل يلزمه بإيمانه أنه أدرك صلاة لوقتها صلاها، فأما أن يجعل بالإيمان مدركًا كالصلاة الوقت الذي كان الإيمان فيه، فلا يجعل مدركًا لها، كذلك الذاكر للنبي صلى الله عليه وسلم للإيمان به، لا يجعل هذا الذكر ملتزمًا للصلاة عليه. وإنما يجعل ملتزمًا أن يصلي عليه إن ذكره بعد والله أعلم.
وإن قال قائل قد كان الناس عامهم وخاصهم إذا كلموا رسول الله يقولون له: يا رسول الله، ويمضون في حديثهم، ولم يبلغنا أن أحدًا منهم صلى عليه في الحال، أو تدارك ذلك بعد الحال، املاكم ذلك على أن الصلاة عليه كلما ذكر ليست بواجبه.
فالجواب: أن المخاطبين له صلى الله عليه وسلم إن كانوا لا يصلون عليه إذا خاطبوه فرضًا، فقد كانوا لا يصلون عليه سنه، بل كانوا يدعون الصلاة عليه بلا كراهية ولا وعيد يستوجبونه ولم يدلك عند الغيبة عنه لا يلزمه الصلاة عليه.
جواب آخر: وهو أنه قد روى في الأخبار قال: قالت عدة المهاجرين: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم -يعنون الأنصار- يباركوننا في قلتهم وكثرتهم من الخير، لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر لعجزنا عن مكافأتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا شكرتموهم ودعوتم الله لهم فقد كافأتموهم) فقد يحتمل أن الصلاة عند مخاطبته كانت عادة للجماعة، فيقل ذلك عن بعضهم واكتفى به عن نقله عن جميعهم.
وجواب آخر ثالث: وهو يحتمل أن يقال: أنهم لا يؤمروا بالصلاة عليه إذا خاطبوه، لأن إيجاب الصلاة عليه عند ذكره إنما هو لتعظيمه وتمييزه عن غيره، فلو صلوا عليه عند مخاطبته لكان الله تعالى لا يرضى له مع خلقه العظيم الذي أكرمه به أن لا يجب المصلي عليه بمثل صلاته، وخصوصًا إذا كان فيها أنزل الله عليه:} وإذا حييتم بتحية فحيوا