للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصالحين {فأجابه وبشره} بغلام حليم {ثم وصف هذا الغلام الذي بشر به، فإنه لما بلغ معه السعي، فلما أسلم لأمر الله تعالى فيه إنقاذه، وتركه له وميزه مع ذلك بأن أخبر كما قال في قصة أيوب عليه السلام:} وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين {. ويؤكد هذا أنه لما قال:} رب هب لي من الصالحين {لم يكن له يومئذ ولد. فلما بشر بغلام حليم، لم يكن ذلك إلا عن إسماعيل، لا عن من يخلق بعد ولم يولد.

وقول الله عز وجل} فبشرناه بغلام حليم {، يدل على أن المعنى فبشرناه بغلام يأمره بما يشق الصبر على مثله، فيحكم ولا يضطرب، وكذلك فعل. لأنه لما قال:} يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك، فانظر ماذا ترى، قال: يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين {. فبان بهذا أن الخبر عن إسماعيل كان الذي بشر به من ذلك الوقت والله أعلم.

وأيضًا، فإن الأخبار تظاهرت بأن هذا الأمر كان بمكة وإسماعيل هو الذي أمر إبراهيم بإسكانه الحرم. فأما اسحق عليه السلام، فلا يذكر أنه دخل الحرم قط. وقال ابن عباس: "لقد جاء الإسلام ورأس الكبش بقريبه في الحرم. وقد تبين أنه دخل في الحرم ويزيد، أن إراقة دماء الهدى إنما صارت سنة موروثة في الأرض المقدسة. فعلمنا أن أصل ذلك إنما كان ذبح إبراهيم، كما كانت سائر المناسك من إرث إبراهيم وابنه الذي كان بالحرم إسماعيل.

وأيضًا فإن الملائكة الذين بشروا سارة بالولد بشروها باسحق، ومن وراء إسحق يعقوب. واعتقد إبراهيم أن ذلك كان لأن وعد الله حق. فلو أمر الله تعالى بذبح اسحق قبل أن يولد له يعقوب، إلى أن يعتقد أن يعقوب غير كائن من اسحق. واعتقاد ذلك اعتقاد الخلف من خبر الله تعالى، ولا يليق اعتقاد ذلك بأنبياء الله. فصح أن الكلام لم يكن باسحق، وإنما كان بإسماعيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>