فإن قيل: قد بشر إبراهيم باسحق، ومن وراء إسحق يعقوب، ولكنه الخبر إن يعقوب كائن من إسحق. فلعله لما بشر به ظن أنه كائن له من صلبه. فلما أمر بذبح اسحق لم يحتج إلى اعتقاد الخلف في خبر الله تعالى.
قيل: إن الرجل لا يكون وراء ابن آخر، لأنهما جميعًا لصلبه ينسبان إليه نسبة واحدة، وإنما يكون ابن الابن وراء الإبن لأنه لا ينسب إليه إلا بعد أن ينسب إلى الإبن، فيكون ابن الصلب هو الذي يليه، ثم ابنه من ورائه. فلما بشر إبراهيم باسحق ومن وراء اسحق يعقوب فقد بين أن يعقوب كان من اسحق.
وأما ما رواه المحتج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لصفيه، فإن ثبت فقد يخرج أنهما افتخرا عليها بأنهما من قريش، وإن قريشًا ذروه الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن كان افتخارهما بالكفار ومن آبائهما، فأنت أحق بالفخر، لأن أباك هارون وعمك موسى فإنهما نبيان). والمفاضلة إذا كانت بين الأبناء ثم كانت في آباء أحد المتفاخرين نبي، فلم يكن في الآباء الآخرين وجه ذلك النبي من النسب إلا أب كافر لم يشكل على ذي عقل، إن عدو الله لا يعدل نبي الله.
فإن قيل: يقدمه عليه لآبائه الكافر، وإنما يقدمه عليه بإسماعيل، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم صفيه، إنما أبوهما إسماعيل وأبوك اسحق. فيكون ذلك دليلاً على ما أردت والله أعلم.
فإن قال قائل: لم امتنعتم من تقديم ولد اسحق على ولد إسماعيل، وفي ولد اسحق النبوة الدائمة إلى مبعث نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في ولد إسماعيل نبوة إلى أن كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أنكرتم أن يكون من ولده نبيان أو ثلاثة أشرف وأكرم من ولد نبي واحد.
قيل -وبالله التوفيق- إنما أثبتنا ذلك من أوجه:
أحدهما أن أصل العرب والعجم، إذا كان إبراهيم صلوات الله عليه كما دعيت، وكان فخر النبيين به، ثم أن النبوة لما درجت منه إلى اسحق، ومنه إلى أولاده وصارت لها شرائع غير شريعة إبراهيم، فكان من أهلها يهود ونصارى} ما كان إبراهيم يهوديًا ولا