للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصرانيًا {ولما درجت منه إلى إسماعيل ولم يزل بعد ذلك إلى أن أورثها الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأحبابه ما درس منها كان ولد إسماعيل في هذا الوجه، أمس لإبراهيم وأخص به. وإذا كان جل الفخر به، وجب أن يكون أولى به، أحق بهذا الفخر والله أعلم.

يتبين بما قلنا أن العرب في جاهليتها لم تكن تدع حج البيت وتعظيم الشهر الحرام ويبقى نكاح البنات والأخوات والأمهات خلاف الفرس ولا يدع الختان والغسل من الجنابة، ويعمل في العتق والطلاق على ما جاء به الإسلام، ويرى الثنيوية بالثلث والتزوج على المرأة والرجعة في الواحدة والتبيين، ويحكم في دية النفس بمائة من الإبل ويورث الحشي من حيث يقول، ويعترف بالملكين، وينسخ الأعمال، فإن فيما يروى أن عبد المطلب بن هاشم كتب بخطه ذكر حق له على رجل من أهل حمير فقال: باسمك اللهم ذكر حق عبد المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلان بن فلان الحميري، من أهل صنعاء له ألف درهم فضة طيبة، ومتى دعاه بها أجابه أشهد الله والملكان وقال الأعشى:

فلا تحسبني كافرًا لك نعمة ... على شاهدي يا شاهد الله فاشهد

فالشاهد الأول لسانه، والشاهد الآخر الملك، وأما الفرس ولا يخفى بعدهم من هذا كله، وذلك لصدق ما وصفت.

ووجه آخر: وهو أن شريعة إسماعيل لم يلحقها النسخ من الله تعالى. إلى أن جاء محمد صلى الله عليه وسلم، ولحقت شريعة اسحق النسخ، إذ قد علمنا أن شرائع التوراة استوثقت لموسى لما أنزل التوراة عليه، فقد صار إسماعيل من هذا الوجه مقدمًا على اسحق، لأن من نسخت شريعته على لسان غيره، فقد تناهت نبوته بعد مدة. ودامت نبوة إسماعيل أضعافها إلى مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم. وقد ظهر أن حظ إسماعيل من النبوة أجزل وأكثر من حظ اسحق.

ووجه ثالث: وهو أن شرائع الأنبياء من ولد اسحق نسخت على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وهي قائمة تعرف ويعمل بها ولم يعلم لإسماعيل شريعة قائمة نسخت. ولكنها قد كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>