فإن قيل للذاهب إلى هذا المعنى قد يجوز أن تكون هذه الآية في الناس على الكفر فغابهم من الليل إلى الإيمان، لأنه ليس فيها تصريح بذكر المؤمن.
قيل: ليس كذلك، لأن الله تعالى استثنى الضعفاء من الجملة فقال:"إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم". والله جل ثناؤه لا يعفو عن الكافر وإن كان عازمًا على الإيمان مائلاً إليه ما لم يؤمن. فبان بهذا أن الآية فيمن آمن وكان يدين الحق، إلا أنه مستضعف بين قومه لا يتمكن معه إقامة الدين والله أعلم.
فإن قيل له: إنما نزلت هذه الآية قبل فتح مكة فلما فتحت مكة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا هجرة من مكة بعد الفتح، لأنها تصير بالفتح دار الإسلام). والهجرة المفروضة من دار الكفر لا من دار الإسلام، لأن دار الإسلام مهاجر إليها فلا تكون بها. وأما غير مكة إذا لم يكن فيها إقامة الدين فيها لزمهم الهجرة منها، لأنها قد عادت إلى حالها الأولى، فكل بلد ظهر فيه الفساد كانت أيدي أهلها أعلى من أيدي أهل الصلاح أو غلب الجهل على سكانه أو انبعث فيهم الأهواء أو ضعف العلماء وأهل الحق عن مقاومتهم، واضطره إلى كتمان ما عندهم خوفًا من الإعلان على أنفسهم فهو في وجوب الهجرة منه عند القدرة كمكة قبل الفتح والله أعلم.
فمن ذهب إلى هذا الرأي قال: من أقام ببلد يكون الحال فيه على ما وصفنا، ولم يكن فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا الردع عن الباطل أو نصرة الحق، وهو يقدر على مفارقته إلى حيث يكون الحال فيه بخلاف ذلك لم يكن من إلا شحًا بدينه لكنه من السمحى به المتساهلين فيه والله أعلم.
وأما شعيب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يهاجر بلده بعد أن قال له قومه:} لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا {لم يكن جزاه مهاجرًا، فإنه كان بين مصر والمؤتفكات والبوادي الفارغة، وكان مصر يومئذ دار الكفر والإلحاد، وقد