استولى عليها فرعون وملأه، فلم يكن ليهاجر من بلده وقومه إلى شر منه ومنهم. فلما تردد أمره بين المقام خلال الكفار أو الانتقال إلى بلد آخر ونزول بعض البوادي بين السباع فاختار المقام في بلده، وتوكل على الله جل ثناؤه فيه، إلا أن يجري فيه من قومه ما لا يظن وقعه، وكان ظنه بالله تعالى إلا يخليهم وما يريدون والله أعلم.
وأما من خالف هذا الرأي قال: أنا لا ننكر وجوب الهجرة من دار الكفر، وعلى كل دار كان الكفار ظاهرين عليها، والمسلم فيها غير مجلي وإسلامه، وهو في كل وقت فيه على نفسه في دينه، ولا فرق في ذلك بين كفر وكفر. وأما ما كان من دار الإسلام إلا أن الفساد كان غالبًا فيه أو بعض الأهواء، أو كان أهله ظاهرين على أهل الحق فلا تحبب الهجرة منه. وكذلك المسلم في دار الكفر إنما كان على دينه، ولا يعرض له ولم يكن يخاف أحدًا على دينه ولا نفسه ولا ماله، فليس عليه أن يهاجر منها إلى غيرها.
وأما الأول فلأن الدار دار الإسلام، فلا يجب على مسلم هجر داره.
وأما الآخر فلأن مكانه من دار الكفر قد ظهر من نجاسة الكفر، فصارت له كالدار كلها لأهله، لو أسلموا مكانه فإن أوذي أو منع من التدين بالإسلام هاجر إن استطاع، لأنه قد صار محولاً بينه وبين سكانه من الدار، إذ قد فارق أن تكون له مأمنًا وعقدًا، كما تكون المساكن لأهلها، ولا سبيل إلى رفض الدين. فأما إذا لم يمكنه أن يقيمه إلا بالهجرة، هاجر والله أعلم.
وأما قول الله عز وجل:} إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيم كنتم قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها {. فالمراد يد القادرون على الهجرة من مسلمي أهل مكة إذا لم يلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، يوعدهم الله عز وجل لهذا الوعيد الغليظ على تلك الهجرة، واستثنى العاجزين عنها ذكورًا كانوا أو أناثًا، وكبارًا أو صغارًا، ومناهم العفو والمغفرة، ثم أخبر عما في الهجرة من الفضل والمهاجر من الثواب، فقال:} ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على الله {. فأخبر أن أجره لا يضيع وعمله لا يحبط