لا يبغضه، وإن كانوا قد يتفاوتون، فيكون البعض الذي عند واحد منها أرجح من البعض الذي عند غيره. وينبغي لمن أراد طلب العلم، ولم يكن من أهل لسان العرب، أن يتعلم اللسان أولاً، ويتدرب فيه، ثم يطلب علم القرآن، فلن تتضح له معاني القرآن إلا بالآثار والسنن، ولا الآثار إلا بأخبار الصحابة، ولا أخبار الصحابة إلا بما جاء عن التابعين.
فإن علم الدين هكذا أدى إلينا، فبلغنا درجة بعد درجة، فمن أراده فليتدرج إليه بدرجة. فيكون قد أتى الأمر بابه، وقصده من وجهه، فإذا بلغه الله درجة المجتهدين فلينظر في أقاويل المختلفين، ويتخير منها ما يراه أرجح وأقوم، وليقس ما يحدث وينوب على أشبه الأصول وأولاها به.
فأما أن يقصد علم الدين ثم يقتصر عند المطلب على قول رجل من علماء السلف، من كان، وإن كان بعد في العلم شأوه، ويتبع ما جاء منه، ويرفض من يخالف ولا يقتديه فكل ما بلغه عنه قلبه، وكل ما بلغه عن غيره تركه، وينتصب مع ذلك داعيًا للناس من احتباه، ومنفرًا إياه عن سواه، كأنه نبه المبعوث إليه وإلى غيره. فيكون المسلم تبعًا عنده، من اتبع متبوعه، ويترك الحائدين عنه عند منزلة أهل الكتاب من المسلمين، إذ كان أهل الكتاب تمسكوا بما لا يتمسك به. وهؤلاء عنده أيضًا عدلوا إلى ما لا يعد إليه. فهذا هو النبأ العظيم الذي الناس عنه معرضون، ولنسألن يوم القيامة عما كانوا يعملون. وأقرب ما يلزم ذكره أن الذي ارتضاه لا يأمنه واتخذه قدوة لنفسه بما كان يرضى أن يكون له، دون رسول الله صلي الله عليه وسلم أمام ينتهي إليه ويقصر نفسه عليه، فلا يقتدي إلا به، ولا يأخذ إلا من علمه، ويقارب من اتبعه، ويباعد من رغب عنه، لكنه طلب العلم حيث وجده، وأخذه ممن كان عنده. فقد كان ينبغي لمن نحا نحوه، وانتهج نهجه أن يأخذ طلبه العلم عنده، كما يأخذ علمه، فلا يتبغض في بدء الأمر قوله، ولا يفسد عليه أصله، فمن يخرج في علم أحد العلماء خاصة، ولم يكن عنده علم تأويل غيره، ولا بالأبواب التي سبق ذكرها، فلا تعد منزلته أن يكون من المقلدين فإن عمل بها أخذه من علمه في خاصة نفسه، فإن كان إمامه حي فسأله عن نازلة نزلت به، وأفتاه فيها برأيه، فيحل له أن يعمل بقوله، ولا يجوز له أن يفتي به غيره، ولا أن يحكم به. ومن طلب من الوجه الذي