ذكرناه، وحصل من علم الكتاب والسنة ما وصفنا، ومن أقاويل السلف إجماعًا واختلافًا ما شاء، وسلم عقله، وصح رأيه وفهمه بقدر على استنباط معاني الأصول، واهتدى إلى تمييز ما يتعلق الحكم به من جملة أوصاف الأصل مميزة، وكان ممن إذا أخفى المعنى واعتاض لم يصلك عن فهمه، وإذا عارضه مثله، لم يخبر عن تمييز أولاهما، بأن يقال به.
كان له أن يعمل فيما ينزل به بعلمه، وأن يفتي به غيره، وكل ما قدمت ذكره في علم الكتاب والسنة، فهو في علم لسان العرب كذلك. لأنه في الجملة لابد منه إذ القرآن إنما نزل بلسانهم وليست فيه كلمة ولا لفظة بلسان غيرهم، ولكن فيها ما كان غير عربي في أصله، فعربه الله تعالى كما كانت العرب بأسرها غير عرب، فعربهم الله تعالى. كذلك السنن كلها عربية، فلا سبيل إلى معرفة الكتاب والسنن إلا بالوقوف على اللسان أولاً، وليس يكفي من علم اللسان علم الأسماء والأفعال والصلات حتى تكون معه، ارتباص فيه ومعرفة لعادات العرب على مخاطباتها. فإن لها في الخطاب مذهبًا وفي البيان عادة، وإذا عرف من لسانها وعادتها ما تيسر به، بعلم الكتاب والسنة، فلا عليه أن يسد عنه من غرائب كلامها، وبدائع أمثالها ما لا يحتاج. وهذا جملة من القول في هذا الباب، فأما تفسيرها فيرجع فيه إلى الكتب المفردة إن شاء الله تعالى.
فصل
ونتكلم في وجوب العلم وفضله، ثم في بيان إن العلم المطلق علم الدين، وأنه أشرف، العلوم، فنقول إن من الدليل على وجوب طلب العلم قول الله عز وجل:} وما كان المؤمنين لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذ رجعوا لعلم يحذرون {.
أراد -والله أعلم-: وما كان المؤمنون لينفروا كافة، والنبي مقيم لا ينفر، فتركوه وحده، فلولا نفر بعدما علموا إن النفر لا يسع جميعهم من كل فرقة منهم طائفة لتبقى