وهذا الذي ذكرت عن وجوب نشر العلم على العالم، فإذا أردت به علم الكتاب والسنة، فلا يجوز أن يسأل عن أنه إن يكتمها ولا يخبر بها. ولا أن يسأل عما جاء في تفسيرها، وقد سمع فيه شيئًا أن لا يخبر به. ولا أن يسأل عن حكم نازلة عنده فيها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أن لا يؤديه كما سمعه. وينبغي لمن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا، ولم يكن عالمًا متقنًا أن يرويه كما سمعه، ولا يعبر عنه لفظًا، ولا يقدم مؤخرًا، ولا يؤخر مقدمًا. وإن كان عالمًا فطنًا جاز له أن يبدل اللفظ بمثله، فإن أخطأ كان اللفظ محتملاً، أبدله بما يحتمل كاحتماله، ولا يتجاوزه، وإن كان غير محتمل أبدله بما يحتمل غير معناه، ولا يبدل خاصًا بعلم، أو عامًا بخاص، ولا مطلقًا بمقيد، ولا مقيد بمطلق، ولا خبرًا بأمر، ولا أمرًا بخبر، وإن كان الذي يسأل عنه العالم، رأيًا، تأمل، فإن كان عنده به المسلمين فيما وقع السؤال عنه، وأي مجتمع عليه فينبغي أن يخبر به، وإن كان يعلم من العلماء اختلاف رأي أخبر بما يحفظ منه، وإن لم يكن عنده فيه إلا رأيه الذي أداه إليه نظر. فإن كان السائل متفقهًا يسأل عما يسأل العالم، أخبره برأيه. وإن كان عاميًا يسأل للعمل لا العلم، وقد وقع له ما يسأل عنه، أو كان سئل لمن وقع فعليه أن يفيه به. وإن لم يقع ذلك لأحد. فإن شاء أفتاه، وإن شاء لم يفته، والأخبار أن لا يفتيه.
فقد روى أن بعض الصحابة كان إذا سئل على شيء يقول: أوقعت؟ فإن قالوا: نعم أجاب. وإن قالوا: لا قال: فحتى تقع،
وهذا لأن الاجتهاد إنما أبيح للضرورة. ولا ضرورة إذا كان السؤال عما لم يحدث فأشكل حكمه فكان إحباط العالم للفتية في أن يكف عن الاجتهاد إلى أن يحدث ما نظره إليه، ويؤكده أنه قد يجتهد حتى يسأل فيرى رأيًا، فإذا وقع ما يسأل عنه، لم يجز له أن يفتي برأيه المتقدم، لكن لزمه أن يحدث اجتهادًا جديدًا. فإن أداه الثاني إلى غير ما أداه الأول. لم يجز له أن يفتي إلا بالثاني. فعلمنا إن الاجتهاد قبل حدوث الحادثة وبال على صاحبه. وإنما جاز أخبار المتفقة بالرأي السانح في الحال، لأن الغرض تثبيته