وإرشاده إلى طريق النظر والانتباه وتفتيح ذهنه. ألا ترى أنه لا يجوز أن يفتي غيره بما يسمع، فبان في ذلك أنه يخالف لما يسأل العمل وبالله التوفيق.
فصل
ولا يجوز لمن كانت عنده أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها أن تمتنع عن روايتها، ليعطي عليها مالاً، لأنه لا يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أداه الرسول إلى أمته. ومعلوم أن الله تعالى لم يكن أطلق أحدًا الآخر من أمته على ما يبلغهم إياه عن ربهم، ولذلك لا ينطلق ذلك لأحد من المؤدين عنه وإن رواها وأخبر بها قومًا. ثم رغب قوم آخرون في سماعها فهم بالخيار بين أن يسمعوها من الذين سمعوا قبلهم ولا يمنع أولئك السامعين خبره صاحبهم الذي حدثهم أن يرووا، فيحدثوا. ومن أن يسمعوا ممن سمع منه الأولون.
فإذا أرادوا ذلك، لم يكن للعالم أن يمتنع عن تحديثهم، ويقول لهم: اسمعوا من بعض من قد سمع مني، لكن منزلة هؤلاء الآخرين كمنزلة الأولين، لأنهم يحتاجون إلى ما عندهم مثل حاجتهم، ولو كان الذي سمع منه شريك قيمًا سمع له، لم يكن له أن يحمل الراغبين في روايته، فكذلك لا يكون له أن يحملهم على الذين سمعوا منه
فإن قيل: إنه إذا روى ما عنده فسمع منه، فقد أدى الأمانة، وأراح المحتاجين لعلمه. فإن أبي أن يسمع ممن سمع منه، فإنما يريد على الإسناد والإسناد النازل في إفادة الناس، وإلزام الحجة كالإسناد العالي. فهلا قلتم أنه يلزم العالم أن يجلس للآخرين فيحدثهم كما حدث الأولين.
قيل: لأنه إذا ألزمهم السماع من بعض من سمع منه عرضهم لكلفة ذات خطر، وهي أن يجتهدوا فيمن يسمعون منه لم يروون عنه، ولا يأمنون أن يزالوا عند الاجتهاد، فيرون من ليس بعدل عدلاً فيصدقوه في روايته، ويثقون به في الرواية عنه، فيكونوا قد ائتمنوا الخائن وعدلوا الفاسق، وقبلوا خبر من أوجب الله تعالى التثبت في خبره، ورأوا من هو عدل غير عدل، فيدعوه، وفي ذلك تخوين الأمين، وتفسيق العدو، وإضاعة السنة، فلم يجز له ذلك.